
إعداد: بسنت عماد
شهدت مدن مغربية عدة خلال الأيام الماضية موجة غير مسبوقة من المظاهرات الشبابية قادتها حركة شبابية تعرف باسم “جيل زد 212″، رفعت شعارات تطالب بإصلاحات جذرية في قطاعي التعليم والصحة، ومحاربة الفساد، وتوفير فرص العمل.
ورغم الطابع السلمي الذي شددت عليه الدعوات، لم تخلُ بعض التجمعات من أعمال عنف وصدامات مع قوات الأمن، وصلت في إحدى الحالات إلى مقتل شخصين حاولا اقتحام ثكنة للدرك.
غضب اجتماعي يقوده الشباب
انطلقت شرارة الاحتجاجات يومي 27 و28 سبتمبر 2025، حين دعا شباب عبر منصات التواصل إلى النزول للشارع، احتجاجاً على ما وصفوه بـ”غياب العدالة الاجتماعية وتردي الخدمات العمومية”.
ويشكل هؤلاء الشباب الفئة العمرية الأكبر بالمغرب، إذ يمثل من تتراوح أعمارهم بين 13 و28 عاماً نحو 26.3% من السكان، فيما تسجل معدلات البطالة بينهم مستويات مرتفعة بلغت 35.8% في الفئة 15-24 سنة.

“ديسكورد”.. منصة اللاعبين تتحول إلى غرفة عمليات
بعيداً عن الطرق التقليدية للتنظيم، لجأ شباب “جيل زد 212” إلى منصة ديسكورد، التي كانت في الأصل فضاءً لمحبي ألعاب الفيديو، لتتحول إلى أداة مركزية للتنسيق بين المحتجين.
فقد أنشأوا خادماً خاصاً يضم قنوات متعددة: للإعلانات الرسمية، للنقاشات المحلية في كل مدينة، وللتنسيق الوطني، حيث يتم اتخاذ القرارات بشكل جماعي عبر التصويت. وارتفع عدد الأعضاء من بضعة آلاف إلى أكثر من 150 ألفاً في أقل من أسبوع.
ويؤكد أحد المشاركين أن “الكل سواسية، لا قيادة ولا هرمية”، في إشارة إلى الطبيعة الأفقية للحراك، التي تميزه عن الحركات السياسية التقليدية.

بين السلمية وأعمال الشغب
رغم التأكيد المتكرر على سلمية التحرك، شهدت بعض المظاهرات انزلاقات خطيرة، كان أبرزها محاولة اقتحام ثكنة للدرك، أسفرت عن مقتل شخصين برصاص الأمن.
ومع ذلك، ظلّت غالبية التحركات سلمية، خصوصاً في الرباط والدار البيضاء وفاس، حيث رفع المتظاهرون شعارات تطالب بتحسين التعليم العمومي والصحة على غرار ما تناله قطاعات أخرى كالرياضة.
موقف الدولة.. صمت وانتظار
حتى الآن، لم تصدر الحكومة المغربية أو السلطات القضائية بيانات مفصلة بشأن الأحداث أو الاعتقالات، وهو ما اعتبره مراقبون “رهاناً على فتور المظاهرات”، فيما ترى أصوات حقوقية أن تجاهل المطالب قد يؤدي إلى تصعيد الغضب.
حراك مفتوح على المجهول
ومع دخول الاحتجاجات يومها السادس على التوالي، يبدو أن “جيل زد 212” عازم على المضي قدماً في الشارع، متمسكاً بمطالبه الاجتماعية والاقتصادية، ومراهناً على قوة التنظيم الرقمي والتواصل الأفقي.
وبين التحديات الأمنية، والمطالب المشروعة التي يصفها المتابعون بأنها “تعكس عمق الأزمة”، يبقى السؤال الأبرز: هل تتجاوب الدولة مع صوت شبابها، أم تظل الأزمة مفتوحة على احتمالات أكثر توتراً؟

ختاماً.. يبقى حراك “جيل زد 212” علامة فارقة في المشهد المغربي، ليس فقط لأنه يعكس غضباً اجتماعياً متراكماً، بل لأنه يعلن دخول جيل جديد إلى ساحة الاحتجاج بأدوات غير تقليدية ومنهج أفقي يقطع مع الوساطات الحزبية والنقابية.
وبين إصرار الشباب على التغيير وصمت الحكومة الذي يراهن على مرور العاصفة، يظل مستقبل هذه الحركة رهيناً بمدى قدرة الدولة على استيعاب المطالب المشروعة وفتح قنوات حوار حقيقية، وإلا فإن الأزمة مرشحة للتصاعد مع جيل لم يعد يقبل التهميش أو الانتظار.