تقاريرسلايدرمعرفة

سننموت وخريطة السماء.. أقدم سجل فلكي في تاريخ البشرية

إعداد: بسنت عماد

عبقرية المصري القديم لم تتوقف عند الأهرامات
لم تكن الأهرامات وحدها شاهداً على عظمة المصري القديم؛ فالحضارة المصرية تركت إنجازات أخرى لا تقل إبهاراً، من بينها إنجاز فلكي نادر نقشه المعماري سننموت على سقف مقبرته، ليصبح أول خريطة فلكية مدونة في تاريخ العالم.

من هو سننموت؟

سننموت كان كبير مهندسي الملكة حتشبسوت، ومدير أعمالها، ووصياً على ابنتها الأميرة نفرو–رع.

لم يكن مجرد معماري، بل كان شغوفاً بالفلك والرياضيات. أنشأ لنفسه مقبرتين: الأولى في منطقة القرنة بالبر الغربي بالأقصر، والثانية أسفل معبد الدير البحري؛ وبرغم ذلك، لم يُعثر على أثر يؤكد أنه دُفن في أيٍّ منهما.

المقبرة المخبأة وسقف النجوم

المقبرة الأولى في القرنة تعرضت لتدمير شديد، أما الثانية أسفل معبد الدير البحري فقد نجت من النهب، لتكشف عن سقف فلكي نادر احتفظ بجزء من نقوشه حتى اليوم. هذا السقف يُعد أول خريطة فلكية مصرية، ويجسّد رؤية المصري القديم للسماء والنجوم.

السماء الجنوبية: العشريات وتقويم العام

السقف ينقسم إلى نصفين: جنوبي وشمالي.
في القسم الجنوبي، سجل سننموت ما يُعرف بالعشريات، وهي مجموعات نجمية يظهر كل منها لمدة عشرة أيام، ليصبح مجموعها 360 يوماً، تُضاف إليها خمسة أيام مكملة هي “أيام تحوت” لتكتمل السنة.

كما رُسمت مجموعات نجمية بارزة مثل أوريون (الجبار) ونجم الشعرى “سوبدت”، إلى جانب كواكب المشترى وزحل وعطارد والزهرة، وقد ظهرت بصحبة “النترو” – الكائنات الإلهية – وهي تبحر في قوارب سماوية.

السماء الشمالية: الدب الأكبر وساعات اليوم

القسم الشمالي من السقف صوّر مجموعة الدب الأكبر، إضافة إلى مجموعات أخرى لم تُحدد بدقة حتى اليوم. وإلى جوارها 12 دائرة مقسمة إلى 24 جزءاً، في إشارة إلى شهور السنة وساعات اليوم. وتحت هذه الدوائر نقشت نصوص تسجل الأعياد والمناسبات المرتبطة بالشهور القمرية.

حدث فلكي نادر

من أبرز ما تحويه خريطة سننموت تسجيل حدث فلكي استثنائي: اصطفاف كوكبي جمع المشترى وزحل وعطارد والزهرة مع الشمس على خط واحد، في يوم الاعتدال الربيعي عام 1476 قبل الميلاد. علماء الفلك أكدوا صحة هذا الحدث من خلال حساباتهم الحديثة، مما يمنح السقف قيمة علمية استثنائية.

سر غياب المريخ

ورغم الدقة المدهشة، يظل لغز غياب كوكب المريخ عن الخريطة محيراً للعلماء. بعض الدراسات ترجّح أن الخريطة ليست تصويراً لسماء ليلة بعينها، بل مخطط فلكي رمزي أو أداة تعليمية ارتبطت بحسابات الزمن والطقوس.

إرث يتجاوز الزمان

خريطة السماء على سقف مقبرة سننموت ليست فقط عملاً فنياً، بل شهادة على استيعاب واعٍ للفلك والزمن من قِبَل المصري القديم، ودليل على أن اهتماماتهم بالكون لم تكن سطحية بل دقيقة ومدروسة.

ومع أننا قد لا نكشف كل أسرارها اليوم، فإنها تبقى واحدة من محطات الإبهار التي تُذكرنا بأن ماضي مصر لم يكن مجرد حضارة مبانٍ وأهرامات، بل حضارة تفكّر في السماء، وتكتبها على الحجر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى