تقاريرسلايدر

سي إن إن: مصر تمتلك بدائل واقعية للغاز الإسرائيلي

متابعة: رحمه حمدى

أثار إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قراره بعدم المضي قدمًا في اتفاق تصدير الغاز إلى مصر جدلًا واسعًا، وذلك بعد أن ربط تلك الخطوة بما وصفه بعدم التزام القاهرة ببنود اتفاقية السلام، وفقًا لما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.

وتركز الجدل حول مدى قدرة نتنياهو على تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع، وما قد يترتب عليه من انعكاسات على سوق الطاقة في مصر، خاصة فيما يتعلق بتأمين احتياجات المصانع وتوليد الكهرباء، إلى جانب الخيارات البديلة التي قد تلجأ إليها القاهرة لضمان استقرار الإمدادات.

ويُجمع خبراء الطاقة على أن مصر تمتلك بدائل واقعية تعزز قدرتها على مواجهة أي توقف محتمل في واردات الغاز من إسرائيل، حيث تستند هذه القدرة إلى امتلاكها أربع وحدات تغييز عائمة، ووحدة إضافية في الأردن تتيح استيراد الغاز من مختلف الأسواق العالمية وضخه في الشبكة القومية، بالإضافة إلى إمكانية تقليص الاستهلاك مع دخول فصل الشتاء.

ويرى الخبراء أن أي قرار بوقف التصدير سيكون معقدًا بسبب الضغوط المرتبطة باستثمارات شركة شيفرون في حقل ليفياثان، فضلًا عن محدودية الخيارات المتاحة لإسرائيل لتصريف الغاز بعيدًا عن مصر. وفي المقابل، فإن القاهرة تمتلك فرصًا لتعويض أي عجز محتمل، سواء من خلال مضاعفة قدرات التغييز أو عبر مشروع الربط مع قبرص المتوقع تشغيله عام 2027، وهو ما يعزز مرونتها في إدارة ملف الطاقة وضمان استقرار الإمدادات.

وتستورد مصر الغاز من إسرائيل بموجب صفقة وقعت عام 2018، تستهدف استيراد كميات بقيمة تصل إلى 15 مليار دولار، تقضي بتزويدها بكميات يتم تسييلها عبر محطتي إدكو ودمياط لإعادة تصديرها. إلا أن تراجع الإنتاج المحلي من الغاز بشكل ملحوظ، بالتزامن مع ارتفاع الاستهلاك وخاصة في فصل الصيف نتيجة زيادة الطلب على الكهرباء بسبب موجات الحر، دفع القاهرة إلى وقف تصدير تلك الكميات المستوردة من تل أبيب، والاكتفاء باستخدامها لتلبية احتياجات السوق المحلية.

وبعد مرور سبع سنوات على الصفقة الأولى لاستيراد الغاز من إسرائيل، تم الإعلان عن اتفاقية جديدة لتعديل بنود التصدير إلى مصر، وفقًا لبيان صادر عن شركة نيو ميد إنرجي في تل أبيب، التي تمتلك حصة قدرها 45.34 بالمئة في حقل ليفياثان، بالشراكة مع شركة شيفرون الأمريكية بنسبة 39.66 بالمئة، وشركة ريشيو بنسبة 15 بالمئة. وينص التعديل على رفع إجمالي الكميات التعاقدية بنحو 130 مليار متر مكعب من الغاز، يتم توريدها عبر شركة بلو أوشن إنرجي بوصفها المشتري.

وتتوزع الزيادة على مرحلتين، تبدأ الأولى فورًا بإضافة 20 مليار متر مكعب، لترتفع الكميات اليومية الموردة من 450 مليون قدم مكعب إلى 650 مليون قدم مكعب. أما المرحلة الثانية فتشمل زيادة إضافية قدرها 110 مليارات متر مكعب، وهي مرتبطة بتنفيذ استثمارات لتوسعة حقل ليفياثان وتوقيع اتفاقية لنقل الغاز عبر خط أنابيب نيتسانا، بحيث تصل الإمدادات اليومية إلى ما بين 1.15 و1.25 مليار قدم مكعب.

كما نص التعديل على تمديد فترة التوريد بعد استكمال المرحلة الأولى لمدة عشر سنوات من تاريخ دخولها حيز التنفيذ أو حتى استهلاك الكميات المتفق عليها، أيهما أقرب. وفي حال بدء المرحلة الثانية، تمتد فترة الاتفاقية حتى الحادي والثلاثين من ديسمبر عام 2040، أو حتى استهلاك الكمية بالكامل، مع إمكانية تمديد إضافي لمدة عامين إذا تبقت كميات غير مستخدمة عند انتهاء المدة.

وتعمل مصر وقبرص منذ مطلع العام الجاري على مشروع استراتيجي لربط حقل كرونوس القبرصي بالبنية التحتية المصرية للغاز الطبيعي، حيث اتفق الجانبان على تسريع وتيرة التنفيذ تمهيدًا لبدء استقبال الغاز في مصر وإعادة تصديره من خلال مجمعات الإسالة المصرية إلى أوروبا بحلول عام 2027.

وصرح نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، مدحت يوسف، بأن مصر تمتلك بدائل استراتيجية تمكنها من الاستغناء عن واردات الغاز من إسرائيل في حال توقفها، موضحًا أن مصر تمتلك بالفعل أربع وحدات تغييز عائمة بالإضافة إلى وحدة خامسة في الأردن، ما يمنحها مرونة كبيرة في استيراد الغاز من الأسواق العالمية وضخه في الشبكة القومية لتغطية احتياجاتها المحلية، مؤكدًا أن هذه القدرات التشغيلية قادرة على تلبية الطلب الداخلي بالكامل.

وأضاف يوسف، في تصريحات خاصة لشبكة سي إن إن بالعربية، أن إسرائيل ستتكبد خسائر فادحة في حال تنفيذ هذا الإجراء، لأنها لا تمتلك بنية تحتية تسمح بإنشاء محطة إسالة بتكلفة تتجاوز عشرة مليارات دولار، وهي كلفة تفوق العائد المتوقع من الحقل. كما أن فرص الربط بدول مجاورة تظل محدودة بسبب غياب الاكتشافات الكبرى في المنطقة وعدم جدوى إنشاء خطوط تصدير بديلة، وهو ما جعل مصر تحصل على أسعار تنافسية للغاز الإسرائيلي نتيجة صعوبة تسويقه عبر قنوات أخرى.

وأشار إلى أن وقف تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر يظل أمرًا معقدًا في ضوء ضغوط شركة شيفرون الأمريكية، التي تمتلك حصة 55 بالمئة في حقل ليفياثان، من أجل استرداد استثماراتها الضخمة في تنمية الحقل. وفي المقابل، فإن مصر أمامها فرصة لتعويض أي نقص محتمل سواء عبر تعزيز قدرات وحدات التغييز الحالية أو مضاعفتها، أو من خلال مشروع الربط مع قبرص المتوقع دخوله حيز التنفيذ بحلول عام 2027، ما يعزز من مرونة الدولة في إدارة ملف الطاقة وضمان استقرار إمداداتها للسوق المحلي.

من جانبه، قال أستاذ هندسة البترول ورئيس الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية سابقًا، حسام عرفات، إن مصر قادرة على إدارة ملف استيراد الغاز من إسرائيل بكفاءة، من خلال الاعتماد على مسارين متوازيين يتمثلان في زيادة الإنتاج المحلي من جانب، واستيراد كميات ضخمة عبر اتفاقيات دولية من جانب آخر، مستفيدة من امتلاكها بنية تحتية متطورة تشمل أربع وحدات تغييز قادرة على استقبال الغاز من مختلف الأسواق العالمية، بشرط توافر السيولة الدولارية اللازمة للوفاء بالالتزامات المالية.

وأضاف عرفات، في تصريحات خاصة لشبكة سي إن إن بالعربية، أن مشروع الربط مع قبرص من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ عام 2027 عبر خط أنابيب جاري إنشاؤه، مما سيسهم في توفير جزء من احتياجات السوق المحلية، موضحًا أن مدى قدرة هذا المشروع على تعويض الكميات المستوردة من إسرائيل يتوقف على حجم الإمدادات التي ستلتزم قبرص بتوريدها لمصر في إطار هذه الاتفاقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى