
إعداد: بسنت عماد
تُعد مراكب الشمس واحدة من أبرز الكنوز الأثرية التي خلفتها الحضارة المصرية القديمة، حيث تجسّد تفاني المصريين في العقيدة والفن والهندسة.
هذه السفن الجنائزية المصنوعة من خشب الأرز النفيس صُممت قبل أكثر من 5 آلاف عام، وتحديدًا في عهد الأسرة الرابعة (حوالي 2800 قبل الميلاد)، لترافق الملوك في رحلتهم الأخيرة وفق المعتقدات الدينية التي كانت ترمز إلى رحلتهم مع الإله “رع” عبر العالم الآخر.

اكتشاف يستحق التأمل
عُثر على سبع حفر لمراكب الشمس حول الهرم الأكبر في الجيزة، خمسٌ منها تخص الملك خوفو، واثنتان بجوار أهرامات الملكات. أُغلقت هذه الحفر بإحكام باستخدام كتل حجرية ضخمة، مما ساهم في الحفاظ على محتوياتها عبر آلاف السنين.
في عام 1954، أعلن عالم الآثار المصري الراحل كمال الملاخ عن كشف أثري مذهل: الحفرتان الجنوبيتان للهرم الأكبر، إحداهما تحتوي على مركب مفكك بالكامل بحالة حفظ ممتازة. استغرقت عملية جمع أجزاء المركب وإعادة تركيبها نحو عقدٍ كامل، لتظهر للعالم تحفةً فنيةً معماريةً تخطف الأنفاس.

تحفة هندسية لا مثيل لها
يبلغ طول مركب خوفو الأولى نحو 42.3 مترًا، وعرضها 5.6 أمتار، وهي مصممة على شكل مراكب البردي التقليدية، لكنّها مُصنعة من خشب الأرز الفاخر الذي استُورد خصيصًا لهذا الغرض. تُعتبر هذه المركب أكبر أثر عضوي باقٍ في التاريخ إلى اليوم، مما يجعلها أيقونةً عالميةً في علم الآثار.

رحلة نقل تاريخية
بعد عرض المركب الأولى لعقود في متحفها الخاص بجوار الهرم الأكبر، بدأت مرحلة جديدة في رحلتها مع افتتاح المتحف المصري الكبير. في أغسطس 2021، نُقل المركب بكامل هيئته باستخدام عربة ذكية متطورة — جُلبت خصيصًا من بلجيكا — تعمل بالتحكم عن بُعد.
شملت عملية النقل تصميم هيكل حماية خشبي ومعدني خاص لضمان سلامة المركب خلال رحلته التي شاهدها العالم باهتمام بالغ، لتصل في النهاية إلى مقرها الجديد داخل المتحف المصري الكبير.

لقاء تاريخي ينتظره العالم
اليوم، تحتضن قاعة مخصصة في المتحف المصري الكبير مركبي خوفو، حيث سيتم عرضهما معًا لأول مرة في التاريخ، ليكملا سردية إبداع الحضارة المصرية القديمة وقدرتها على تجاوز الزمن.
هذه المراكب ليست مجرد قطع أثرية، بل هي رسالة خالدة من المصري القديم تؤكد إيمانه بالبعث والخلود، وقدرته على تحدي حدود الزمن والمادة.
