
إعداد: رحمه حمدى
حصل “وان بنك” على موافقة مبدئية من البنك المركزي المصري عام 2023، ليصبح أول بنك رقمي مصري بالكامل، في خطوة تاريخية تُواكب تحولات القطاع المالي العالمي.
البنك تابع لشركة “مصر للابتكار الرقمي” (شركة مساهمة مصرية) التي أُسست خصيصًا لهذا المشروع. شارك في التمويل مجموعة من المستثمرين المحليين بقيادة البنك الأهلي المصري وبنك مصر. الذي فاز بجائزة أفضل بنك رقمي في الشرق الأوسط لعام 2024، كما أشار تقرير لمجلة جلوبال براندز
هذا التطور يدفع للتساؤل: ما ماهية البنوك الرقمية؟ ولماذا تشكل طفرة في عالم الخدمات المالية؟
ماهو البنك الرقمي
البنوك الرقمية هي مؤسسات مالية تقدم جميع خدماتها المصرفية عبر منصات إلكترونية بالكامل، دون الاعتماد على فروع مادية تقليدية. تعمل من خلال تطبيقات الهواتف الذكية أو المواقع الإلكترونية، وتستفيد من التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لتقديم تجارب مصرفية سريعة وآمنة.
الفرق بينها وبين الخدمات الرقمية للبنوك التقليدية، أن البنوك التقليدية تقدم قنوات رقمية (تطبيقات إلكترونية بجانب فروعها المادية أما البنوك الرقمية لا تمتلك أي فروع، ووجودها بالكامل عبر الإنترنت. يُتوقع أن تصل قيمة سوق هذه البنوك إلى 10.44 تريليون دولار بحلول عام 2028، مع نمو عدد المستخدمين إلى 386.3 مليون مستخدم عالميًا
تتميز بغياب الفروع المادية لا تمتلك شبكة فروع، مما يخفض تكاليف التشغيل ويُترجم إلى عروض تنافسية للعملاء. متاحة على مدار الساعة، مع معاملات فورية (فتح حسابات، تحويلات، استثمارات). تكاليف أقل فغالبًا ما تقدم حسابات بدون مصاريف شهرية أو حد أدنى للرصيد. تُوفر توصيات مالية شخصية بناءً على سلوك المستخدم. تركيز على الأمان حيث تستخدم تقنيات متطورة مثل التشفير والبيومتريكس (بصمة الوجه/الإصبع).
البنك الرقمي أم البنك التقليدي
أبرز مزايا هذه البنوك تكمن في اختصار الزمن وإنجاز المعاملات في دقائق بدلًا من أيام. تجاوز التعقيدات البيروقراطية من إلغاء متطلبات الأوراق المطولة. توفر الخدمات على مدار الساعة دون تقيد بمواعيد العمل. تمكين الفئات المهمشة وصول الخدمات المالية لمناطق تخلو من الفروع المصرفية. ستحدث طفرة وتحولات في سوق العمل حيث تخلق المصرفية الرقمية وظائف نوعية غير موجودة في البنوك التقليدية، مثل مهندسي أمن المعلومات السيبراني أو مصممي تجارب المستخدم الرقمية ومحللي البيانات الضخمة ومطوري تطبيقات الدفع الإلكتروني
في المقابل يتطلب البنك التقليدي زيارات فرعية وانتظار طويل، ووقت محدود للخدمات، بالإضافة إلى الرسوم المرتفعة لتغطية تكاليف الفروع عكس البنك الرقمي الذي يتطلب رسوم مخفضة بنسبة 30-50%، يحتاج البنك التقليدي لتأمين فيزيائي من عناصر الأمن بالإضافة إلى تأمين إلكتروني بأنظمة تشفير متقدمة كما تعاني من بطء الإجراءات بسبب التسلسل الإداري. صعوبة التوسع في المناطق النائية.محدودية الابتكار مقارنة بالشركات الناشئة.
يثير بعض المستخدمين مخاوف مشروعة حول الأمن الإلكتروني في البنوك الرقمية لكن حتى البنوك التقليدية تعرضت للهجوم فبين عامى 2023 و2024 تعرضت 604 مؤسسة مصرفية عالميًا لهجمات إلكترونية (سيبرانية) ولذلك فإن البنوك الرقمية رفعت مستوى التأمين حيث تعتمد على بروتوكولات تشفير فائقة توافق معايير البنك المركزي المصري. وأنظمة اكتشاف الاحتيال بالذكاء الاصطناعي. تأمين على الودائع يصل إلى 100 ألف جنيه كحد أدنى، وفقًا للوائح المصرفية.
تجارب عالمية رائدة في تجاوز تحديات البنوك الرقمية
تمكنت سنغافورة من التغلب على تحديات الأمن السيبراني من خلال إنشاء مركز متخصص لرصد الجرائم المالية الرقمية (COSMIC) عام 2023. وتطبيق نظام الهوية الرقمية الوطنية (Singpass) الذي قلل حالات الاحتيال بنسبة 92%. إلزام البنوك الرقمية باستخدام تقنيات التعرف الحيوي متعدد العوامل
كما نجحت البرازيل في معالجة مشكلة الإقصاء المالي عبر تطبيق “Pix” للدفع الفوري الذي وصل إلى 140 مليون مستخدم. شراكات مع متاجر التجزئة لإنشاء 50 ألف نقطة خدمة رقمية. بالإضافة إلى برامج توعية مالية عبر تطبيق “Banco Central do Brasil”
أما الهند طورت حلولاً فريدة تشمل نظام “UPI” الذي سجل 12 مليار معاملة شهرية. بنك “Jio Payments” الذي يعمل عبر 600 ألف كشك رقمية. وتطبيق “Aadhaar” للهوية الرقمية الذي خفض تكاليف التحقق بنسبة 80%
وتعاملت السويد مع مقاومة التغيير عبر تطبيق “Swish” الذي يستخدمه 90% من السكان وبرامج تدريبية لكبار السن في المكتبات العامة. ونظام “Cashless Society” المدعوم حكومياً
حلت كينيا مشكلة ضعف الإنترنت عبر نظام “M-Pesa” الذي يعمل برسائل SMS. وشبكة “Starlink” للإنترنت الفضائي في المناطق النائية. بالإضافة إلى شراكات مع مشغلي الاتصالات المحليين
الخطوات المستقبلية
– تدرس الحكومة إصدار تراخيص بنوك رقمية خالصة لشركات محلية ودولية في 2025، وفقًا لتصريحات د. محمد فريد رئيس البورصة المصرية السابق.
– مشروع “الجنيه الرقمي” (Digital EGP) الذي أعلن البنك المركزي بدء اختباره في الربع الأخير من 2024.
– تعاون مع الاتحاد الأوروبي لتمويل مشروعات الشمول المالي الرقمي بقيمة 60 مليون يورو (مذكرة تفاهم وقعت فبراير 2024).
يبدو أن العالم يتجه بسرعة فائقة إلى البنوك الرقمية حيث توقعت دراسة لمعهد التمويل الدولي أن تدمج 65% من البنوك الرقمية تقنيات الذكاء الاصطناعي وبلوك تشين بحلول 2027 لتعزيز الأمان. وأشارت إلى أن شركات مثل أمازون وفيسبوك تدرس دخول السوق، بينما بدأت بنوك مثل Revolut في أوروبا دعم العملات المشفرة رسميًا. لكن التقرير نبه إلى أن البنوك المركزية العربية، ومنها البنك المركزي المصري، تحذر من المخاطر المرتبطة بالعملات الرقمية غير المنظمة.