مقالات

دكتور هشام البحيري يكتب: الممارسات القيادية السبع في ظل الأزمات

تمثل الأزمة لحظة فاصلة ومرحلة فارقة في حياة كل قائد وكل مدير حقيقي، لأنها تستفزه لكي يعرف نفسه حق المعرفة، ويفهم نفسه حق الفهم، ويستطلع المستقبل مستخدماً بوصلته الداخلية كونها الأداة المثُلى للإبحار في عالم متقلب ومضطرب. 

    إن الشخصية العظيمة لا تُولد في جو هادئ أو بيئة خاوية من التحديات، لأن العقل الإنساني المٌتقد لا يتشكل إلا من خلال التأقلم مع التحديات المتتابعة والمتنوعة. فالحاجة الملحة هي التي تكشف معدن الإنسان العظيم وأعظم الفضائل المغروسة في ضميره.

فما من شك أن الإنسان المثابر الذي يصر على السير في إتجاه معين سيتمكن في نهاية المطاف من أن يشق طريقه وسط ضباب الأزمات وفي ظلمة الليالي الحالكة، وأن يكسب حب واحترام ومساندة الآخرين. وعلى العكس من ذلك، فإن المؤسسات التي يديرها أشخاص لا هدف لهم سوى الحفاظ على نفوذهم ومنفعتهم وسطوتهم وسيطرتهم، سوف تسقط وتكون أزمتها الأولى هي آخر الأزمات، لأنها لن تنهض منها أبداً. 

     وعلى مر الزمان، أسقطت الأزمات العديد من قادة المؤسسات، في الوقت الذي صمد أمام أمواجها قادة آخرون. ففي وجه الأزمة ينجح بعض القادة في اجتياز اختبارات المهارات، بل وتقوى لديهم روح المبادرة وتتعمق فيهم النزعة القيادية.

يخبرنا ” جيف إيميليت ” قائد شركة ” جنرال إلكتريك ” عن الأزمة التي مرت بها تلك الشركة في مطلع حياته المهنية: ” أن القيادة رحلة طويلة داخل الذات، وفي الأوقات العصيبة لن يستطيع أحد أن يخبرك كيف تمارس القيادة، وكيف تكون قائداً يعتمد عليه ” 

وفي اللغة الصينية يستخدم رمزان أو حرفان للتعبير عن كلمة ” أزمة ” حيث يرمز الحرف الأول من الكلمة إلى ” التهديد أو المخاطرة ” ويرمز الحرف الثاني إلى وجود ” فرصة ” وهذا ما يجب أن تمثله الأزمة بالنسبة للقائد الجدير، فعلى الرغم من احتمالات الفشل قائمة، فإن إرشاد تابعيك عبر الدروب الوعرة هو فرصتك المثلى لتنمية مهاراتك القيادية. لذلك من الضروري أن ينزل القائد إلى أرض المعركة بدلاً من الجلوس وراء مكتبه ومتابعة الأمور من بعيد متقوقعاً داخل حدوده، ومنفصلاً عن جنوده (موظفيه). 

ولقد تعلمنا من علم وفن وصنعة ممارسة ” إدارة الأعمال ” بعض الدروس والممارسات والتصورات التي ساعدت الكثيرين، ويمكن أن تساعدك أيضاً كقائد إداري على المواجهة والثبات في ظل الأزمات، ومن هذه الدروس

1- واجه الواقع واعترف بأخطائك. 

2- الق عن كاهليك الهموم. 

3- ابحث عن جذور الأزمة. 

4- استعد لمعركة طويلة. 

5- استفد من كل أزماتك. 

6- وأنت في بؤرة الحدث، اتخذ الاتجاه الصحيح. 

7- الهجوم خير وسيلة للدفاع والفوز.  

    أما عن الدرس الأول ” واجه الواقع واعترف بأخطائك ” فعليك أن تعلم أنك لن تستطيع معالجة الأزمة ما لم تدرك أولاً أنك أمام موقف عصيب وأنك كنت سبباً محتملاً فيه، وهذا لن يتم إلا إذا واجهت الواقع. ومواجهة الواقع تبدأ باعترافك بمسؤوليتك في نشوء الأزمة ثم توجيه مؤسستك لمواجهة هذا الواقع. ولا تخشى من اعترافك بأخطائك أمام مساعديك ومرؤوسيك لأن هذا الاعتراف سوف يشجعهم على الاعتراف بأخطائهم والبدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة للنهوض وتجاوز الأزمة. 

إن مواجهة الأزمات والتغلب عليها، يجعلنا نتعلم العديد من الدروس والعبر من أي أزمة نمر بها، وأولى تلك الدروس هو ” عليك أن تتأقلم مع الواقع الجديد” ويفشل العديد من المديرين التنفيذيين في تحقيق تلك الاستفادة بسبب انجرافهم وراء تصوراتهم الخاصة عن الواقع. 

 ولو استعنا بتشبيه من علم الأحياء: لمن يتحقق البقاء؟ هل للأكبر، أم للأقوى، أم للأسرع؟ والإجابة ” كلا ” إن البقاء يتحقق للأصلح والأكثر قدرة على التأقلم مع واقعه الجديد! وهذا يجعلنا نركز على أهمية تحلي كافة المديرين والممارسين بالمرونة على المستويين المؤسسي والشخصي، مما يعزز القدرة على مواجهة الواقع والتأقلم مع التغيرات والظروف الجديدة والتواصل مع الآخرين بسهولة داخل المؤسسة وخارجها. وتتحقق المرونة من خلال: 

1- الحفاظ على اللياقة الجسدية؛ 

2- الحفاظ على تُوقد الذهن والروح؛ 

3- المرح والدعابة والاستمتاع بالحياة. 

• الدرس الثاني: ” الق عن كاهليك الهموم ” دعنا نتفق عزيزي القارئ أنك لن تستطيع حل جميع المشكلات والأزمات بمفردك. بل يجب عليك أن تستعن بالآخرين من داخل مؤسستك أو من حياتك الشخصية ليشاركوك همومك ويساعدوك في تخطي أزماتك. وهذه فرصة لا يجب أن تفوتها لتقوية علاقاتك بأفراد فريقك، لأن أقوى الروابط وأوطد العلاقات هي التي تتشكل أوقات الأزمات. 

والسبب في التنبيه من ” خطورة التقوقع على الذات وقت الأزمات ” أن الممارسات والتجارب السابقة قد أوضحت أن بعض المديرين والقادة والذين واجهوا بعض الأزمات بمفردهم، قد تحملوا العبء كله على كاهلهم، وأنهم حاولوا الانسحاب إلى مكاتبهم للتفكير في الأزمة محاولين التوصل لحل لها بمفردهم، دون مشاركة مرؤوسيهم ومساعديهم، وهذا قد يتسبب في الفشل في إيجاد حلول مناسبة للأزمات، بل من الممكن أن يتسبب في بدء الإشاعات التي تكون عادة أسوء من الواقع. 

إذا عليك أن تحرص وقت الأزمات أن تشرك من حولك مجموعة من الخبراء والحكماء والأفراد والفرق من داخل أو خارج المؤسسة، ولكن عليك انتقاء أشخاص يهتمون بمصلحتك على المستوى الشخصي، أو يشاركونك مجالك المهني، والذين لن ينتقدوا قراراتك أو تصرفاتك داخل المؤسسة. 

• الدرس الثالث: ” ابحث عن جذور الأزمة ” كلما سعيت للبحث عن حل سريع للأزمة، فإنك ستقلل من عمقها وتأثيرها ومن خطورة الأسباب وتداعيات المتغيرات التي أدت إلى نشوئها. إن إحاطة نفسك بأفراد لا يطلعونك إلا على الأنباء المفرحة، لن يعزز لديك إلا غرائزك الفطرية في حل الأزمات والمشكلات دون دراسة متعمقة. هذا يعني أنك تتجنب الخضوع للجراحة وتحاول الاكتفاء بتضميد الجراح التي لابد وأن تتقيح في النهاية، أو أنك تحاول التخلص من الأعراض بالعلاج السريع، دون التعامل مع الأمراض. 

• الدرس الرابع: ” استعد لمعركة طويلة ” في خضم الأزمات يحسب بعض القادة أن الأزمة لن تطول ويتوقعون عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي بسرعة، وأن كل ما عليهم فعله هو إجراء بعض التغييرات المؤقتة؛ مثل تقليل حجم الإنتاج لحين ارتفاع الطلب مجدداً وبهذا يتعامل المديرون مع الظروف الصعبة مثلما يفعل البحارة في أعالي البحار حين يختبئون حتى تمر العاصفة، ولكن ماذا لو استمرت العاصفة أطول بكثير مما يتوقعون؟ وماذا لوكان تغيير المسار كليةً هو الحل؟ 

 أحياناً تكون النزعة التشاؤمية واحدة من طرق تجنب الأزمات، على الأقل كما لاحظ واعترف ” أندي جروف ” المدير التنفيذي السابق في شركة ” إنتل للإلكترونيات ” فقد جعله الخوف الدائم والمستمر من تدهور الأسواق أو سقوط شركته أو دخول منافسين أقوياء يقظاً وجاهزاً للتصدي للأخطار ومستعداً لكافة السيناريوهات إذا ما ساءت الأحوال. 

• الدرس الخامس: ” استفد من كل أزماتك ” نصح الفيلسوف الإيطالي ” ماكيافيللي ” أتباعه ذات يوم قائلاً: ” لا تُضع الفرص التي تتيحها لك الأزمات ” وعلى الرغم من صعوبة تطبيق هذا المبدأ عندما يكون المرء غارقاً بالفعل في أزمة ما، فلابد من إدراك أن هذه الأزمة ليست إلا فرصة لفرض التغيير الشامل. 

• الدرس السادس: ” وأنت في بؤرة الحدث، اتخذ الاتجاه الصحيح ” ليس ضرورياً أن تكون رجل سياسة أو نجماً مشهوراً كي يعتبرك الناس شخصية عامة. فما دمت تقود إحدى المؤسسات فستكون الأضواء مسلطة عليك أيضاً، سواء أحييت ذلك أم كرهته. راتبك يتساءل عنه الكثيرون وكلماتك يقتبسها الكثيرون، والموظفون من حولك يحاولون معرفة ما يدور في رأسك. لماذا؟ 

 لأنه في أوقات الأزمات تُسلط الأضواء على القادة، حيث يسعى الأفراد وراء كل معلومة من قائدهم، ويتشبثون بأية كلمة يتفوه بها، ويحاولون أن يستغلوا بواطن الأمور من خلال قراءة لغة جسده وتعبيرات وجهه، بل وحتى لون ملابسه. 

    إن الصراحة والصدق والشفافية هي مفتاح التعامل مع الظروف والوصول إلى قلوب الناس. ففي ظل الأزمة يرفض الموظفون والمتابعون للأحداث من خارج المؤسسة أية محاولة لإخفاء الحقيقة أو تحريفها وتشويشها، فسرعان ما ستكتشف ولا سيما إذا أثبتت الأحداث والوقائع اللاحقة أن تصريحاتك كانت مضللة أو غير دقيقة. 

    عليك وقت الأزمات أن تعزز ثقافة الشفافية، وإذا لم تكن موجودة داخل مؤسستك، فعليك أن تخلق تلك الثقافة وتجعلها ثقافة مؤسسية عمادها الوضوح والصراحة، فبدونها لن تتدفق المعلومات بحرية داخل أي مؤسسة ولن يعرف القادة ما يجرى في أروقتها. والسبيل الوحيد لخلق ثقافة الشفافية هو تبني القائد الإداري بنفسه هذا المبدأ. فالقائد الجدير عليه أن يُخبر موظفيه بكل المستجدات، وكلما كان صريحاً وشفافاً كلما زادت ثقتهم به واعتمادهم عليه في اطلاعهم على الحقيقة، فيبتعدون عن الشائعات وعن مروجيها. 

• الدرس السابع والأخير وقت الأزمات عليك أن تتبنى استراتيجية الهجوم خير وسيلة للدفاع فلا تدفن رأسك في الرمال وتقدم الأعذار والدفاعات عن قراراتك ورؤياك ، بل عليك أن تتبنى استراتيجيات الهجوم على أي شخص وعلى أي جهة تسعى لعرقلتك أو انتقادك . 

                                                                                                 الكاتب: أستاذ إدارة الأعمال – بجامعة القاهرة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى