شحاتة زكريا يكتب: حين يكون الوطن هو الهدف.. كيف تتحالف الخيانة مع العدو؟

في لحظات الحقيقة لا يتوه القلب ولا يخطئ البصر فالوطن لا يحتاج إلى تعريف حين تُكشف الأقنعة وتسقط أوراق التوت. حين تخرج جماعة إرهابية لتتظاهر أمام سفارات بلادها لا طلبا للحق، ولا نصرة للمظلوم، بل نكاية في مصر وتحت راية الاحتلال فالأمر لا يحتاج إلى تحليل سياسي بل إلى شهادة وفاة أخلاقية.
أي عار هذا الذي يجمع بين يد كانت ترفع المصحف بالأمس وتلوّح اليوم بعلم إسرائيل؟ أي درك من الانحطاط بلغوه حتى يصبح العدو الصهيوني حليفا ، وتصبح مصر – التي قدّمت الشهداء منذ 1948 – هي الهدف والعدو المشترك؟
نحن لا نتحدث عن معارضة سياسية. نحن أمام تنظيم احترف التلون، وتاجر بالدين، وباع الأوطان مقابل مكاسب زائلة. تنظيم يعيش على الأزمات ويتنفس من شقوق الكراهية وكلما اشتد على مصر الحصار أو تصاعدت التحديات خرج ليطعنها من الخلف. ليست هذه هي المرة الأولى ولكنها المرة الأوضح والأسوأ والأكثر فضيحة.
في معركة غزة كان الموقف المصري واضحا منذ اللحظة الأولى. لا للتهجير. لا لتفريغ الأرض من شعبها. لا لصفقات المقايضة على حساب الكرامة والحقوق. رفعت مصر صوتها حيث صمتت الدول وفتحت معابرها حيث أُغلقت الأبواب. أرسلت قوافل الأمل والمساعدات حين انشغل الآخرون بتسجيل النقاط أمام الكاميرات.
لكن المشكلة أن هناك من لا تعجبه مصر القوية ولا يقبل برؤية الدولة التي أفشلت مخطط التقسيم والتفكيك وهي تتصدر مشهد الدفاع عن القيم والحقوق. هؤلاء لا يريدون لمصر أن تنتصر لأن انتصارها يعني سقوط مشروعهم.
ولذلك حين تعجز إسرائيل عن إسكات الصوت المصري وتفشل الدعاية الصهيونية في شيطنة موقف القاهرة يتحرك الإخوان من ثكناتهم الإعلامية ليتولوا المهمة القذرة. يفبركون ويشوّهون يقطعون المقاطع ويطلقون الأكاذيب وينظمون التظاهرات أمام سفارات مصر حول العالم. لكن الغريب أن التظاهر لا يكون ضد السفارة الإسرائيلية ولا ضد البيت الأبيض بل ضد القاهرة صاحبة الموقف النبيل وكأنهم يقولون بلسان الحال: نحن مع من يقتل ضد من يمنع القتل.
إنها أكبر من خيانة إنها استقالة كاملة من الإنسانية والوطنية والعقل. فهل يعقل أن يُرفع علم إسرائيل في مظاهرة تدّعي نصرة فلسطين؟! وهل يمكن لعاقل أن يصدّق أن من يهاجم مصر في عزّ معركة إبادة هو فعلا مع القضية؟
الحقيقة أن الإخوان ومن شايعهم ليسوا ضد الحرب لأن فيها قتل بل لأن مصر خرجت منها منتصرة بالموقف. ليسوا ضد المجازر لأنهم يكرهون الدم ، بل لأنهم يكرهون من يفضح القاتل.
ولأن التاريخ لا ينسى فإن هذه اللحظة ستُسجّل كأحد فصول العار ليس فقط في سجل جماعة الإخوان بل في ضمير كل من سكت أو برر أو تواطأ. وسيُكتب بالوضوح الكامل: أن هناك من اختار أن يصطف مع الذئب ضد القطيع، مع السكين ضد الجرح، مع الاحتلال ضد الوطن.
لكن مصر وكما اعتادت لا تلتفت إلى النباح حين تسير.ولا تضيّع وقتها في الرد على الصغائر. بلد بحجم مصر لا تزعزعه مظاهرة مأجورة ولا فيديو مفبرك ولا هتاف في زاوية معتمة. هذه دولة تعرف طريقها وتحمي بوصلتها وتدفع الثمن من دمها ومستقبلها كي يبقى الشرق الأوسط واقفا على قدميه.
مصر لا تعاني من عدو خارجي فقط بل من خونة الداخل الذين يرتدون أقنعة النضال ليطعنوا ظهرها حين تشتد المعركة. لكن الفارق كبير: فبينما تُكتب المواقف الصادقة بالدم والعرق يُكتب الخزي على الجدران الباردة للتاريخ ولن يكون لجماعة الخيانة مكان إلا في هوامشه المظلمة.
الذين تآمروا على مصر وظنوا أن الضجيج يسقط الدول عليهم أن يقرأوا التاريخ من جديد: مصر لا تُخترق بالشائعات ولا تُهزم من منصات مأجورة. هي بلد محفوظ بحكمة السنين، وبوعي شعبه، وصدق جيشه، وشرف قيادته.
ولأن الوطن ليس مكانا فقط بل معنى وكرامة وقيم فإن المعركة لم تعد فقط على حدود غزة ، بل على حدود الوعي العربي كله. ومصر كما كانت دائما ستبقى خط الدفاع الأول عن فلسطين، وعن الحقيقة، وعن الضمير.
تحيا مصر رغم أنف كل خائن وتبقى عصيّة على الانكسار مهما تبدلت الوجوه وتكاثرت الخناجر.
لأنها ببساطة.. مصر.