لماذا نحيي العزاء بعد 40 يومًا؟

إعداد رحمه حمدى
هل تساءلت يومًا لماذا نحيي ذكرى الموتى بعد مرور أربعين يومًا على رحيلهم؟ ما السر الكامن وراء هذه الفترة بالذات؟ وما علاقتها بمعتقدات ضاربة في القدم؟
حين يحل اليوم الأربعون بعد الوفاة، تجتمع العائلة، تُقام الصلوات، ويُوزع الطعام على الفقراء، وكأنها طقوس مفروضة بحكم التقاليد. ولكن الغريب أن هذه العادة ليست وليدة اليوم، بل هي صدى لاعتقاد قديم عمره آلاف السنين!
فقد آمن المصريون القدماء بأن روح الميت تبدأ رحلتها نحو العالم الآخر بعد مرور أربعين يومًا على الوفاة، حيث تُحاسب أمام محكمة أوزوريس. وكانوا يحرصون خلال هذه الفترة على تقديم القرابين وترتيل الصلوات، لضمان عبور آمن للروح.
لم يكن الموت نهاية الرحلة، بل بوابةٌ إلى عالم آخر يخضع للحساب والعدل الإلهي. ومن بين المعتقدات العميقة في الديانة المصرية القديمة، أن روح الميت تُحاسب بعد 40 يومًا من الوفاة، وهي فترة حرجة تُقام فيها طقوس خاصة لضمان عبور الروح بسلام. فما قصة هذه الأربعين يومًا؟ وكيف شكلت رؤية المصريين القدماء للحياة بعد الموت؟
رحلة الروح في العالم السفلي
وفقًا لنصوص مثل “كتاب الموتى” وبرديات المعابد، كان المصريون القدماء يؤمنون بأن الروح (أو “الكا” و”البا”) تبدأ رحلتها في العالم الآخر بعد الوفاة، وتخضع لمحاكمة أمام أوزوريس ونتر العدل ماعت، حيث تُوزن القلب مقابل ريشة الحق. لكن بعض النصوص تشير إلى أن هذا الحساب لا يتم فورًا، بل بعد 40 يومًا، وهي فترة انتقالية تُجرى فيها طقوس التطهير والقرابين.
خلال هذه الفترة، كان الكهنة والأقارب ينفذون طقوسًا يومية، منها، قرابين الطعام والشراب لإطعام الروح. صلوات من “كتاب الخروج في النهار” (كتاب الموتى) لحماية المتوفى من الأرواح الشريرة. تحنيط الجسد الذي استغرق 40 يومًا في بعض المراحل التاريخية (وفقًا لهيرودوت)، لضمان بقاء الجسد سليمًا كبيتٍ للروح.
علماء الآثار يفسرون: بين الرمزية والواقع
يشير الدكتور محمد إبراهيم (أستاذ المصريات) إلى أن الرقم 40 في مصر القديمة كان يمثل دورة اكتمال، ربما مرتبطة بفيضان النيل أو دورة القمر. بينما يرى آخرون أن الطقوس استمرت 40 يومًا كفترة تكفي لإعداد الروح للمحاكمة.
وفي مقابلات ميدانية في الصعيد – أبحاث في التراث الشعبي المصري – كتاب “الموت والحياة في مصر القديمة” لـ سليم حسن، “مش عارفين ليه بس دايماً بنعملها”، بهذه الكلمات يلخص أحد كبار السن في المنيا سبب إحياء الأربعين، لكن الأكيد أن هذه العادة ليست مجرد صدفة.. إنها ذاكرة جماعية حملتها الأجيال من عصر الفراعنة، حيث كان الموتى يحتاجون 40 يومًا ليحظوا بالخلود، واليوم، يحتاج الأحياء 40 يومًا ليودعوهم بسلام
في صعيد مصر، تُسمى ليلة الأربعين “السرور”، حيث يُعتقد أن روح الميت “تستقر” بعدها. بعض العائلات تذبح خروفًا، وكأنها صدى لقرابين الفراعنة! حتى في المدن، رغم اختفاء بعض المظاهر، مازال الكثيرون يحرصون على إقامة ذكرى الأربعين، وإن كان بشكل أبسط
رغم مرور آلاف السنين، لا تزال فكرة “الأربعين يومًا” لغزًا يثير الفضول.. هل كانت مجرد رمز؟ أم أن الفراعنة اكتشفوا حقيقة روحية لا ندركها حتى اليوم؟ في كل الأحوال، تظل هذه المعتقدات شاهدًا على عمق رؤية الإنسان القديم للوجود، حيث الموت ليس نهاية، بل محطة في رحلة أبدية.
بعض العائلات المصرية حتى اليوم تُقام لها “ليلة الأربعين” بعد الوفاة، كإرثٍ لا واعي من الماضي الفرعوني!