
إعداد: رحمه حمدى
في خطوة تُوصف بـ”الاستراتيجية الكبرى”، وقّع محافظا البنك المركزي المصري الدكتور حسن عبدالله ونظيره الصيني الدكتور بان جونج شنج، يوم السبت مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التمويل والتجارة، بما في ذلك تسوية المدفوعات بالعملات المحلية (الجنيه المصري واليوان الصيني) بدلاً من الدولار الأمريكي. تهدف الاتفاقية إلى تسهيل التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، وتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية، مما يخفف الضغط على الاحتياطي النقدي المصري.
كما تُرسي مذكرة التفاهم إطارًا للتعاون من خلال تبادل المعلومات والخبرات، بالإضافة إلى التدريب وبناء القدرات لموظفي كلا البنكين المركزيين. تشمل مجالات التعاون السياسة النقدية، والأسواق المالية، وأنظمة وخدمات الدفع الإلكتروني، والتقنيات المالية والرقابية، وإصدار الأوراق النقدية.
الاتفاق – الذي يُعد الأول من نوعه لمصر مع الصين – يُعيد رسم خريطة التعاملات المالية الثنائية، ويُحول أعباء الديون إلى فرص استثمارية تنموية.
جوهر الاتفاقية
تقوم الآلية على تسوية المعاملات التجارية والديون الثنائية بـالعملتين المحليتين (الجنيه المصري واليوان الصيني)، بديلاً عن الدولار الأمريكي. وتتضمن، إنشاء قنوات دفع مباشرة بين البنوك التجارية في البلدين، وتحويل جزء من الديون المستحقة إلى تمويل لمشروعات البنية التحتية في مصر. بالإضافة إلى تيسير عمليات التصدير والاستيراد المباشرة دون وساطة العملات الأجنبية.
الفوائد المتوقعة لمصر
تخفيف الضغط على الاحتياطي النقدي الأجنبي (خاصة الدولار) بنسبة 15-20% في المبادلات مع الصين سيؤدي إلى زيادة السيولة النقدية.
تقليل الطلب على الدولار في الواردات الصينية (30% من واردات مصر الصناعية) مما يدعم سعر الصرف، سيدفع الجنية إلى الاستقرار.
تحويل الديون وتوجيها لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة (الرياح – الشمس) والمناطق الصناعية بأسوان والعلمين.
فتح الأسواق وتسهيل نفود الصادرات المصرية (المنسوجات – المنتجات الزراعية) للسوق الصينية بعُملة محلية.
المصالح الصينية
تعزيز النفوذ المالي وتوسيع هيمنة اليوان الصيني في الاقتصادات الناشئة، واختراق النظام المالي العالمي المُهيمن عليه بالدولار.
ضمان سلاسل الإمداد وتأمين واردات المواد الخام المصرية (الفوسفات – الغاز الطبيعي) بعملتها المحلية، وتوريد معدات التكنولوجيا الفائقة لـ”المشروعات القومية” المصرية.
دعم مبادرة الحزام والطريق وتعميق التعاون مع مصر كـ”بوابة إفريقيا” لشبكة مشروعات البنية التحتية القارية.
التحديات المحتملة
مخاطر تقلبات الصرف: صعوبة تحقيق توازن في أسعار التحويل بين عملتين غير حرتين بالكامل.
الاعتماد المفرط: تحوّل الصين لـ”الدائن المهيمن” لمصر (30% من ديونها الخارجية) قد يحد من مرونة السياسات المصرية.
حجم الاتفاق: التغطية المبدئية تقتصر على 5 مليارات دولار (من إجمالي ديون مصر 165 مليار دولار)، مما يستدعي توسيع نطاقها.
ردود الفعل
أشارت الدكتورة لي مينج (مركز شنجهاي للدراسات) إلى أن: “هذا النموذج سيُصبح المعيار مع دول الجنوب.. الصين تقدم حلاً عملياً لأزمات الديون المستعصية”.
هذه الخطوة تتماشى مع استراتيجية مصر لتنويع شركائها الاقتصاديين وتقليل الاعتماد على الدولار، خاصة في ظل التعاون مع دول مجموعة “بريكس”. كما تأتي ضمن سلسلة اتفاقيات بين البلدين، مثل أول استراتيجية تعاون إنمائي (2025-2029) وبرامج تدريبية لتنمية الموارد البشرية.
الاتفاقية تمثل تحولاً جوهرياً في التعامل مع أزمات الاقتصادات الناشئة:
- لمصر: هامش تنفس لمواجهة أزمة العملة الصعبة + تحفيز استثماري غير مسبوق.
- للصين: اختراق جيوسياسي في نظام مالي عالمي أحادي القطبية.
- للعالم: نموذج بديل لإدارة الديون يركز على “المكاسب المتبادلة” لا شروط الدائنين التقليديين.