مقالات

نيفين أبو حمدة تكتب: الإمارات الفلسطينية خطة إسرائيلية لاستمرار انقسام الشعب الفلسطيني

تداولت بعض وسائل الإعلام خبر اقتراح بعض شيوخ منطقة “الخليل” الفلسطينية- الانفصال عن السلطة الوطنية الفلسطينية وإعلان إقامة إمارة الخليل، التي تُقر بإسرائيل كدولة قومية- يهودية وتتعهد لها بكامل التعايش والسلام إضافة لانضمامها إلى الاتفاقيات الابراهمية، وتعترف إسرائيل في المقابل بإمارة الخليل باعتبارها الممثل الوحيد للفلسطينيين( العرب في الداخل الإسرائيلي).
وتمنح خطة العشائر الخليلية جزء من أراضي المنطقة (ج) للمستوطنيين، وأراضِ أخرى لشيوخ عشائر الخليل، وذلك بالتفاوض بين الطرفين، ودعم “يوسي داجان” زعيم المستوطنين في الضفة الغربية هذه الخطة وقال أن قضايا الأراضي بشكل عام يمكن حلها عند الرغبة في تحقيق السلام. وكانت القبائل والعشائر قد حكمت مناطق عديدة في فلسطين لمئات السنين، إلى أن عادت منظمة التحرير الفلسطينية إلى حكم الأراضي والمناطق الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو عام 1993م، بقيادة الراحل “ياسر عرفات”، وعملت على استبدال العشائرية والطوائف الدينية التقليدية بالهوية الوطنية الفلسطينية، واعتبرت بعض العشائر أن ذلك انقضاضًا على سلطتها، وهاجمت قياداتها، وأعلنت أنها لا تمثلها وكذلك حماس.
ورغم ذلك يرفض بعضهم فكرة الدولة القومية اليهودية الواحدة واعتبارهم أقلية فيها، وكان الحل الأمثل هو تطبيق مشروع الإمارات الفلسطينية لعرابها ومنسقها “مردخاي كيدار” والتي وضعها منذ حوالي 20 عامًا وتنطوي على موافقة إسرائيل على إدارة المدن السبع المميزة ثقافيا في الضفة الغربية بشكل فردي من قبل العشائر الفلسطينية. ويطمح في أن يُمهد إعلان الخليل الطريق لتغيير الأوضاع في الضفة الغربية، بيت لحم وربما يكون هو الحل النموذجي في قطاع غزة. ولذلك طرح قائد القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي بين عامي 2007م و2009م “جادي شامني”، تساؤلًا يبدو منطقيًا على خلفية ما يحدث في قطاع غزة: كيف ستتعامل إسرائيل مع عشرات العائلات كل منها مسلح وله رجاله؟ وتوقع أن يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في قلب نيران الفوضى وقد يؤدي ذلك إلى كارثة.
خطة إسرائيلية والنموذج عربي..
يعتبر القانون الدولي في اتفاقية مونتيفيديو لعام 1933م، أن الكيان الذي يستوفي أربعة شروط يعتبر دولة وهي: السكان، والإقليم، والحكومة، والقدرة على الحفاظ على العلاقات الخارجية؛ ولذا تعتبر “الإمارات العربية المتحدة”- دولة مستوفية الشروط. وبحسب الخطة الإسرائيلية؛ فإن ذلك قد ينطبق أيضًا على مناطق السلطة الفلسطينية وقطاع غزة؛ ولذا تستحق نظرية الإمارات الفلسطينية أن تكون محورًا لمحادثات الوضع النهائي حول إيجاد نموذج بديل وشرعي ومقبول للدولة، بحيث يعترف بالقبلية السائدة والمعترف بها في المنطقة العربية بشكل عام.
ويفترض “مردخاي كيدار” (عراب المشروع) في هذه الخطة أن أبسط تفسير لرفض الفلسطينيين التفاوض مع إسرائيل، وفشل مباحثات الحل النهائي؛ هو غياب مفهوم الديمقراطية في الوعي الجمعي الفلسطيني، حيث لم يعشِ الفلسطيني في ظل حكم ديمقراطي أبدًا، وكان قبل الصهيونية يخضع للحكم العثماني الذي منح للعشائر والقبائل العربية استقلال شبه كامل. ويقترح بناء نموذج لدولة فلسطينية مستقبلية على غرار الإمارات العربية المتحدة. حيث أن الإمارة هي نظام حكم قبلي تتكون من عائلة ممتدة الجذور، تسيطر على وحدة إقليمية وتُدار كدولة، ولا توجد بها انتخابات حيث يعتبر رئيس القبيلة هو القائد، على سبيل المثال فإن مواطني أبو ظبي ينتمون إلى نفس القبيلة ويرأسهم كبير قبيلة آل نهيان.
ولا تعتبر كل إمارة من الإمارات السبع في دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مستقلة وليس لأبو ظبي أو دبي مقعدًا في الأمم المتحدة- وهي في ذلك تُشبه الدولة الفيدرالية. ويمكن تطبيق نفس النموذج مستقبلًا على أي اتفاق فلسطيني، خاصة في ظل انتهاء حل الدولتين بعد أحداث السابع من أكتوبر، وخضوع أكبر سبع مدن في الضفة الغربية لسيطرة القبائل الفلسطينية، وهي مساحة مساوية تمامًا للمناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية؛ إذ تسيطر قبيلة “الكرمي” على سكان طولكرم و قبيلة المصري على “نابلس” والبرغوثي على “رام الله” والعريقات على “أريحا”. كما تُسيطر العشائرية على قطاع غزة وقد تعاملت حكومة حماس سابقًا مع هذا الواقع، وكانت توزع صلاحيات الشرطة الإقليمية على العشائر التي تُسيطر على مختلف المناطق. ولكن منطقة الخليل تُعدّ مدينةً مثالية لتطبيق هذه الخطة، حيث تعيش فيها عدة قبائل فلسطينية، ولديها محكمة عشائرية لحلّ النزاعات بين القبائل سلميًا وتُعرف بــ”الصلحة” أو محكمة الصُلح.
أخيرًا؛
يسود الانقسام وتداعياته بين فتح وحماس منذ عام ٢٠٠٧م، ولذا ستكون أي دولة فلسطينية مستقبلية تقوم على أساس الانقسام- دولة فاشلة، لا يجمعها سوى عدو خارجي لتوحيد الشعب على كلمة سواء. وتهدف فكرة الإمارات الفلسطينية إلى إقامة إمارة مستقلة في كل مدينة عربية في الضفة الغربية، مثل إمارة غزة التي أُقيمت عام ٢٠٠٧م وهي: جنين، نابلس، طولكرم، قلقيلية، رام الله، أريحا، والخليل العربية، بالإضافة إلى غزة. ستكون كل إمارة مسؤولة عن إدارة شؤونها الخاصة، كالأمن الداخلي، والاقتصاد، والبنية التحتية، والصادرات والواردات، والكهرباء، والمياه، والمواصلات، وغيرها، من خلال اتفاقيات ثنائية بينها وبين إسرائيل. وستخضع المناطق الريفية للسيادة الإسرائيلية وتمنح الجنسية الإسرائيلية لسكانها وسيكونون بموجبها مواطنين في إسرائيل مثل فلسطيني(عرب) الجليل والمثلث والنقب.
ويرى البعض أن هذه الخطة هي الحل المناسب لما يُعرف باليوم التالي للحرب في قطاع غزة، خاصة مع المشاعر السلبية لدى الفلسطيني تجاه قيادته وفقدانه الأمل في تحقق حل الدولتين، وإعلان إسرائيل أنها لا تنوي احتلال القطاع في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، ومعارضتها عودة حكم حماس؛ ولذلك تسعى إسرائيل حاليًا على دعم وتشجيع ظهور قيادات محلية وعشائر وتضعهم في مواجهة أمام حماس( على سبيل المثال: مجموعة ياسر أبو شباب في قطاع غزة والذي أعلن أنه يعمل بدعم إسرائيلي).
وأعتبر أن إسرائيل تزرع وتروي بذور حرب أهلية داخلية في القطاع وتسعى من خلالها إلى اختلاق مواجهة فلسطينية تزيد من عمق الانقسام الفلسطيني؛ خاصة وأن كوادر وقيادات حركات المقاومة المختلفة هم أبناء لعائلات غزة وعشائرها، وهم الذين عملوا على القضاء على النفوذ القبلي والعشائري في القطاع سابقًا، وكانت حماس قد اعتبرته تحديًا لمنظومتها الأمنية عام 2007م؛ ولذا سمعنا عن إعدام حماس لبعض أفراد من هذه العشائر بتهمة التخابر لصالح إسرائيل، وعن إعدام عائلات بأكملها دون إعلان عن سبب؛ وعن إعلان كبار العشائر في القطاع خلال اجتماع مع مسؤولين من الأمم المتحدة رفضهم التعاون مع إسرائيل؛ كل ذلك يدل على خشية من دعم إسرائيل لسيطرة هذه الأيديولوجية العشائرية، خاصة وأنها البديل الأمثل بالنسبة لها؛ حيث يعزز هذا الانقسام تدريجيًا فكرة الدولة الواحدة ويخدم مصالح الحكومة الصهيونية المتطرفة الدينية، التي تسعى إلى تغيير وجه الضفة الغربية وتسعى لطمس معالم الخط الأخضر والقضاء على السلطة الفلسطينية، وعلى نشر حالة عامة من الإحباط وفقدان الأمل الجماعي بين الفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى