
الحلقة الأولى
هل ما نعيشه اليوم كان مجرد خيال سينمائي بالأمسهل هى نظرية مؤامرة.. أم لعبة شطرنج إعلامية؟
كم فيلمًا شاهده أطفالك اليوم سيصبح واقعهم غدًا؟
ما الأفكار التي يتم غرسها في عقولنا دون أن ننتبه؟إذا كانت السينما تخبرنا بالمستقبل… فلماذا لا نصدقها؟
كيف تستخدم هوليوود “الترفيه” لتمرير أجندات جندرية؟.
السينما كـ”غسيل مخ” بطئ
منذ عقود، تعتمد هوليوود على “سياسة النفس الطويل” في تغيير المفاهيم الاجتماعية، حيث تُقدّم أفكارًا ثورية في قوالب كوميدية أو درامية تبدو “بريئة”، لكنها تُحدث تغييرًا تراكميًا في وعي المشاهد. الأزمة الجزائرية الأخيرة حول أحمد الفاتح (الذي ادعى حمله كرجل) ليست منفصلة عن هذا السياق، بل هي حلقة في سلسلة طويلة بدأتها أفلام مثل Junior (1994).
في “1994” انتجت هوليوود فيلم “Junior”، يفترض أنه فيلم كوميدي خيالي، من بطولة “أرنولد شوارزنيجر” و”داني ديفيتو”، مع مشاركة “إيما طومسون”.
يدور الفيلم حول عالمَيْن في مجال الطب هما الدكتور أليكس هيس (أرنولد شوارزنيجر) والدكتور لاري آربوغاست (داني ديفيتو)، اللذين يعملان على تطوير دواء للخصوبة. عندما يتم رفض تجاربهما، يقرران إجراء تجربة سرية حيث يحقن الدكتور أليكس نفسه ببويضة مخصبة ليثبت نجاح الدواء.
المفاجأة أن أليكس يحمل جنينًا ويصبح أول رجل حامل! تواجهه العديد من التحديات الطبية والاجتماعية، بينما يحاول هو ولاري إخفاء الأمر. مع تقدم الحمل، تتطور علاقة أليكس مع زميلته الدكتورة ديانا ريدن (إيما طومسون)، التي تكتشف حقيقته وتدعمه. في النهاية، ينجب أليكس طفلة سليمة، وتنتهي القصة بمشاعر دافئة عن الحب والأبوة غير التقليدية.
كيف هيّأ فيلم “Junior” الجمهور لفكرة “الحمل الذكوري”؟
في ظاهره، يبدو فيلم “Junior” وكأنه كوميديا سخيفة عن رجل يحمل طفلاً، لكن عند تحليله بعمق، يمكن رؤيته كفيلم “يُطبع” فكرة تغيير الأدوار الجندرية ويجعلها تبدو أكثر قبولًا، وإن كان بطريقة هزلية وسطحية. إليك كيف:
تفكيك الصورة النمطية للذكورة
أرنولد شوارزنيجر، أيقونة الذكورة المفرطة (بطل أفلام الأكشن مثل “المنتقم” و “القاتل”)، يُقدَّم هنا في دور “الرجل الحساس” الذي يبكي، يشتهي أطعمة غريبة، ويختبر آلام الحمل! . الفيلم يسخر من فكرة أن الرجل لا يمكن أن يكون ضعيفًا أو عاطفيًا، ويُظهر أن الذكورة ليست ثابتة، بل يمكن أن تتحول بتغيير الهرمونات والظروف.
“الأمومة حكرًا على النساء”
الفيلم يعكس فكرة أن الحمل والإنجاب ليسا مرتبطين بالأنثى بيولوجيًا فقط، بل يمكن (نظريًا) أن يكونا تجربة إنسانية مشتركة. المشاهد التي يمر بها شوارزنيجر (مثل الغثيان، التقلبات المزاجية) هي نفسها التي تتعرض لها النساء، مما يخلق تعاطفًا مع معاناة المرأة، وإن كان بطريقة كوميدية.
التمهيد لفكرة “الجندر كبناء اجتماعي
الفيلم يُظهر أن السلوك “الذكوري” أو “الأنثوي” ليس فطريًا، بل نتاج عوامل كيميائية/هرمونية (مثل هرمونات الحمل التي تجعل شوارزنيجر أكثر عاطفية). هذه الفكرة تتوافق مع نظريات الجندر التي تقول إن الهوية الجندرية ليست ثابتة بيولوجيًا، بل قابلة للتغيير.
نقد خفي للنظام الأبوي
ردود فعل المجتمع في الفيلم (مثل سخرية الأطباء، صدمة الناس) تُظهر رفض المجتمع لفكرة أن الرجل يمكن أن يلعب دور “الأم”، وهو ما يعكس هشاشة النظام الأبوي في مواجهة أي تغيير.نهاية الفيلم (إنجاب الطفل بنجاح) تُشير إلى أن تحديث الأدوار الجندرية ممكن، بل وقد يكون إيجابيًا.
من الخيال السينمائي إلى الواقع (قضية أحمد الفاتح)
أحمد الفاتح (المعروف أيضًا باسم أحمد بلعيد) هو فنان جزائري يبلغ من العمر 28 عامًا، خضع قبل سنوات لعمليات تحول جنسي جزئي، احتفظ من خلالها بجزئه العلوي كرجل، وتم تعديل الجزء السفلي كامرأة. وأعلن عن حمله عبر منصات التواصل الاجتماعي، مدعيًا أنه خضع لعملية تلقيح صناعي في أوروبا بعد زواجه من رجل أعمال سعودي عام 2023، عبر زرع الجنين في تجويف داخل الجسم مع متبرعة ببويضه، وثق تجربة الحمل على مدى 9 أشهر، وأنجب طفلته “مايا” بعملية قيصرية في مايو 2025، لكنه توفي بعد أسابيع بسبب مضاعفات طبية غير محددة بدقة. فقد شكك أطباء في إمكانية حمل رجل بيولوجي (حتى لو متحول جنسيًا) دون وجود رحم، ما لم يتم زرع جنين في “تجويف صناعي”، وهو إجراء نادر وغير مثبت علميًا بشكل واسع.
وصف الفاتح نفسه بـ”أول رجل عربي حامل” يُذكرنا بلغة فيلم “Junior” (أول تجربة حمل ذكوري ناجحة!). ولكن مفاجأة القدر ان جسده لم يتحمل مضاعفات الحمل والهرمونات التي تم حقنه بها على مدار تسعة أشهر، مما أدى لوفاته. حتى لو كانت “قصته كاذبة”، فإن تداولها إعلاميًا يعكس نجاح السردية الهوليودية في خلق مساحة للنقاش حول المستحيل بيولوجيًا.
السينما كـ”سلاح ناعم”
لا يوجد “فن بريء حتى الأفلام الكوميدية مثل “Junior” تُستخدم لـ اختبار ردود الأفعال وتهيئة الأرضية لأفكار أكثر تطرفًا. التكنيك ثابت
– البداية: سخرية (فيلم عن رجل حامل!).
– لاحقًا: جدال إعلامي (هل يمكن أن يحدث هذا؟).
– النهاية: تطبيع (أحمد الفاتح “بطل”!).
هوليوود ليست مرآة تعكس الواقع، بل مطرقة تشكله، فيلم مثل “Junior” لم يكن مجرد نكتة عن رجل حامل، بل كان نبوءة مُعدة مسبقًا لفكرة ستُطرح لاحقًا كـ”حقوق جندرية”. قضية أحمد الفاتح (الحقيقية أو المفتعلة) ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة بدأتها هوليوود، حيث تتحول الأفكار المستحيلة إلى نقاشات إعلامية، ثم إلى وقائع مفروضة.الغزو ليس بالدبابات فقط، بل بالكاميرات أيضًا.. هم يصورون الخيال، ونحن نعيشه.