
إعداد: رحمه حمدى
كشف تحقيق استقصائي موسع نشرته صحيفة “واشنطن بوست” تفاصيل صادمة حول خطة إسرائيلية “مصدق عليها من إدارة بايدن” منذ منتصف عام 2024، تهدف إلى تهجير سكان قطاع غزة عبر إنشاء مراكز مساعدات إنسانية مزيفة قرب الحدود المصرية، بتمويل سري ضخم وتواطؤ إقليمي.
الآلية: مراكز مساعدات و”ضمانات كاذبة” للتهجير
ترتكز الخطة على إنشاء مراكز إغاثة في رفح، جنوبي قطاع غزة، بعد تحديد مواقعها مسبقاً، لجذب النازحين من مختلف أنحاء القطاع نحو محور “موراج”على الحدود مع مصر. ووفقاً للتقرير، فإن الخطة ليست عشوائية، بل تعتمد على تكتيك مدروس يشمل: التسويق للمؤسسة أنها محايدة بعيدة عن الشبهات الإسرائيلية، وذات دعم دولي، لتجنب انتقاد المنظمات الحقوقية أو الدول المجاورة. ثانياً خداع المدنيين بضمانات كاذبة تزعم أن بإمكانهم العودة إلى ديارهم بعد استلام المساعدات، بينما الهدف الحقيقي هو إفراغ مناطقهم تمهيداً للتهجير. ثالثاً إنشاء مركز تمويهي آخر أسفل محور “نتساريم” وسط غزة، لإيهام السكان بأن العملية إنسانية وليست مرتبطة برفح فقط، قبل إغلاقه لاحقاً وتركيز العمليات بالقرب من الحدود المصرية.
تمويل سري.. ودور الإمارات وحميدتي
أشار التقرير إلى أن الخطة تواجه عقبات لوجستية وسياسية، لكنها حصلت على دفعة كبيرة بعد تبرع جهة مجهولة بمبلغ 100 مليون دولار كمرحلة أولى. ورغم تحفظ “واشنطن بوست” على كشف هوية المتبرع، فإن صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية ذكرت بشكل صريح أن الإمارات العربية المتحدة هي الداعم الرئيسي، كما وجهت وسائل الإعلام العبرية مسبقا اتهامات لنتنياهو أنه يستغل المساعدات الإنسانية في غزة كمشروع سري.
ولفت التقرير إلى أن وسائل إعلام إسرائيلية أعدت قوائم بأسماء مؤثرين ومدونين عرب مُوكل إليهم الترويج للخطة، دون الكشف عن هوياتهم.
حميدتي يحاول “إعادة تسويق نفسه” عبر توطين الغزيين في السودان
في تطور متصل، كشف التحقيق أن محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع الموالية للإمارات، يسعى إلى استغلال الأزمة لإعادة تقديم نفسه كـ”شريك” للغرب بعد الهزائم العسكرية التي منيت بها قواته أمام الجيش السوداني. حيث يروج مقترحاً بتوطين فلسطينيي غزة في المناطق الخاضعة لسيطرته داخل السودان، بدعم ووساطة إماراتية
وكبادرة موافقة صرّحت الولايات المتحدة يوم الخميس الماضي أنها ستفرض عقوبات على السودان، بعد أن خلصت إلى أن حكومته استخدمت أسلحة كيماوية في عام 2024 أثناء صراع الجيش مع قوات الدعم السريع شبه العسكرية، ولم تحدد نوع الأسلحة التي استخدمت، أو متى أو أين على وجه التحديد وهو الاتهام الذي نفاه الجيش.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس في بيان إن الإجراءات ضد السودان ستشمل فرض قيود على الصادرات الأميركية وخطوط الائتمان الحكومية الأميركية، وستدخل حيز التنفيذ حوالي السادس من يونيو، بعد إخطار الكونجرس يوم الخميس
ورفضت السودان في بيان هذه الخطوة، ووصفت هذه الاتهامات بالكاذبة. وفي بيان شديد اللهجة، وصف وزير الثقافة والإعلام السوداني خالد الأيسر تصرفات الولايات المتحدة بأنها “ابتزاز سياسي”، مضيفًا أنها تزيد من تآكل “مصداقية” الولايات المتحدة وتقضي على “أي نفوذ متبقٍ قد يكون لها في السودان”.
وقال إنها “رواية ملفقة… لتضليل الرأي العام الدولي وتقديم غطاء سياسي لجهات غير شرعية متواطئة في جرائم ضد الشعب السوداني”.
وقال إن الولايات المتحدة قدمت في السابق “ادعاءات كاذبة” بشأن وجود أسلحة كيميائية في السودان، مشيرا إلى هجوم الشفاء عام 1998، عندما قصفت الولايات المتحدة مصنعا للأدوية في السودان.
وقال مسؤولان مطلعان على الأمر إن الأسلحة الكيميائية استخدمت على ما يبدو غاز الكلور، الذي يمكن أن يسبب أضرارا دائمة للأنسجة البشرية، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في يناير الماضي.
وقال مصدر دبلوماسي سوداني إن “الهدف هنا هو صرف الانتباه عن الحملة الأخيرة في الكونجرس ضد الإمارات”.
وقال المصدر إن الولايات المتحدة كان بإمكانها أن تتوجه إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتحقيق في هذه الادعاءات لكنها أهملت ذلك.
أدلة السودان على تورط الإمارات
قطعت السودان علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارات هذا الشهر، قائلة إن القوة الخليجية تساعد قوات الدعم السريع بإمدادات من الأسلحة المتقدمة في الصراع المدمر الذي اندلع في أعقاب خلافات حول دمج القوتين.
ونفت الإمارات هذه الاتهامات وقالت إنها تدعم الجهود الإنسانية والسلام.
وبعد الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الدولة الخليجية الأسبوع الماضي، سعى الديمقراطيون في الكونجرس الخميس الماضي، إلى منع بيع الأسلحة من الولايات المتحدة إلى الإمارات، جزئيا بسبب تورطها المزعوم في الصراع.
اتهم السودان الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بانتهاكات اتفاقية الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى ضربات بطائرات مسيرة على بورتسودان، التي تُنسب إلى تدخل إماراتي مباشر. وأكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تورط الإمارات في النزاع خلال جلسة بمجلس الشيوخ.
قدمت الإمارات، التي اتُهمت بدعم قوات الدعم السريع، دفاعاً قوياً، ورفضت المحكمة الدعوى لأسباب قضائية، لكن أبوظبي وصفت القرار كـ”تبرئة”.
في غضون ذلك، تعرضت بورتسودان لقصف مسير استمر ستة أيام، مما دفع الخرطوم لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات ووصفها بـ”الدولة المعتدية”. وأكد سفير السودان بالأمم المتحدة أن الهجمات انطلقت من “قاعدة إماراتية على البحر الأحمر”، واصفاً إياها بـ”الانتقامية” بعد ضرب طائرة شحن زُعم أنها كانت تزوّد الدعم السريع.
رغم التوترات، حافظت إدارة ترامب على دفء العلاقات مع الإمارات، مع صفقات تجارية ضخمة. لكن روبيو انتقد دور أبوظبي في تأجيج الحرب، قائلاً: “عبّرنا عن تحويلها الحرب إلى صراع بالوكالة… مما يزعزع المنطقة”.
تداعيات خطيرة وتواطؤ دولي
تكشف هذه الوثائق كيف يتم استغلال المعاناة الإنسانية في غزة والسودان لتنفيذ أجندات سياسية وتهجير قسري، بدعم من أطراف إقليمية ودولية. كما يبرز الدور المشبوه للإمارات وحميدتي في محاولة تحويل السودان إلى ساحة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية.
يأتي هذا الكشف في وقت تواصل فيه إسرائيل حربها على غزة، وسط صمت دولي مريب، وتنامي مؤشرات على نوايا التهجير المنظم، الذي يحذر منه الفلسطينيون والقانون الدولي منذ أشهر.