مقالات

أمجد الفقي يكتب: من أجل وطن يحمي أشباله و يخمد الفتن

حين يهتز وطنٌ كامل من أجل صرخة طفل، ندرك أن الجريمة تجاوزت حدود الأذى الجسدي، وأن براءة الطفولة باتت مهددة حتى في الأماكن التي يُفترض أن تكون أكثر أمانًا.

قصة ياسين، ذلك الطفل الصغير الذي تعرّض لأبشع صور الانتهاك في مدرسته، لم تجرح جسده فقط، بل جرحت وجدان المجتمع، وبينما وقف الناس جميعًا في البداية خلفه، مطالبين بحقه، تكشفت جريمة من نوع آخر تسللت بخسة لاستغلال دموعه في إشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.

و السؤال منذ متى أصبح الألم وسيلة لتقسيم القلوب و كيف سمحنا أن تحول لجان الفتنة انظارنا عن منتهك البراءة و توجهنا إلى إطلاق سهام الاتهام إلى شركاء الوطن؟

إن من ارتكب الجريمة فردٌ مجرم شاذ، لا يمثل إلا نفسه؛ لا يمثل طائفة أو ديانة أو عقيدة أو سلوك مجتمع.

و لذلك فإن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في يد مجرم امتدت إلى جسد طفل برئ، بل في عقلٍ مشوّه يستغل الجريمة لبث السم في النسيج الوطني، ليحوّل المأساة إلى منصة للتفرقة، بدلًا من أن تكون منارةً للوعي و صرخة للإنتباه و الحذر.

نحن لا نحتاج إلى شعارات، بل إلى وعي و مسؤولية حقيقية.
نحن نحتاج إلى أن نصغي لأطفالنا أكثر حين يتكلمون، أن نصدّقهم حين يخافون، وأن نعلّمهم أن أجسادهم ملك لهم، لا يملك أحد أن يقترب منها.

نحتاج إلى ضمير مجتمعي يراقب بصدق، و لا يتستر بحجج واهية. نحتاج إلى أن نرسخ في مؤسساتنا التعليمية أن كرامة الطفل فوق سمعة البناء، كما نحتاج إلى إطلاق حملات توعية من خلال وزارة التعليم تستهدف كل مدارس الجمهورية عن طريق متخصصين لتوعية الأطفال بمفاهيم اللمسات الآمنة، و اللمسات غير الآمنة و تعزيز قدسية الجسد الإنساني و التأصيل لمفهوم المساحة الشخصية الآمنة، و طرق التعامل في حالة تعرضهم لحالات انتهاك الخصوصية.

نحن بالأساس مجتمع يضع الإنسانية فوق كل انتماء، دينًا كان أو اسمًا أو موقعًا مجتمع يفزع لإغاثة الملهوف و يلتف بشهامته المعهودة خلف أصحاب الحقوق و يجب علينا أن لا ننسى ذلك بفعل تلك الفئة الضالة التي تأصل إلى خلاف ذلك.

فلنقف لحظة، ونسأل أنفسنا:
ماذا لو كان ياسين إبني او أخي أو جاري أو حفيدي؟
هل كنت سأبحث عن ديانة الجاني؟
أم كنت سأبحث عن القانون و العدالة للقصاص؟

“الحقيقة أن العدالة لا تُجزّأ، والبراءة لا تعرف دينًا بعينه؛ فكل يد تمتد لتطفئ براءة طفل، لا تمثل إلا الظلام، لا تعبر عن دين أو عقيدة، ولا توصم بالعار مجتمعا، و لا يمكن أن تنال من وطن ” .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى