أحمد صبري شلبي يكتب: دراما رمضان 2025.. بين الكم والكيف

لم يعد خافيًا على أحدٍ تراجع مستوى الجودة في الدراما الرمضانية خلال السنوات الأخيرة، حيث طغى منطق الكم على حساب الكيف، وأصبح معيار النجاح مرهونًا بعدد المشاهدات والتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي، بدلًا من القيمة الفنية الحقيقية. بعدما أصبح “التريند” هو البوصلة التي تحدد المسار، ليس فقط في الدراما والفن، بل في مختلف المجالات، هذه الظاهرة ليست قاصرة على الدراما فحسب، بل تمتد لتشمل مختلف مجالات الحياة، من المشاريع التجارية التي تسعى للانتشار السريع على حساب جودة المنتج، وكذلك الحال في الإعلام والصحافة، حيث باتت مؤسسات عريقة تلهث خلف كل ما يحدث “الفرقعة” دون مراعاة المعايير المهنية أو الرسالة الإعلامية الهادفة، متجاهلةً رسالتها الأساسية في تقديم محتوى هادف وموثوق.
في قلب منظومة القوة الناعمة المصرية، تظل الدراما إحدى أدوات التأثير الأبرز، لكنها باتت تعاني مؤخرًا من اختلالات واضحة، على رأسها إقحام وجوه لا تمتلك الحد الأدنى من الموهبة الفنية في أعمال تُعرض على نطاق واسع، فقط لامتلاكها قاعدة جماهيرية على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الظاهرة أسهمت في تهميش الطاقات الحقيقية، وأضعفت من المكانة الرائدة التي طالما تمتع بها الفن المصري في العالم العربي.
ورغم هذه التحديات، لا يمكن إغفال بعض الإشراقات التي ظهرت في موسم دراما رمضان 2025، حيث برزت أعمال تستحق الإشادة لما قدمته من محتوى جاد ورسائل مجتمعية مؤثرة. من بين هذه الأعمال، جاء مسلسل لام شمسية ليسلط الضوء على قضايا التحرش بالأطفال والتنمر، داعيًا إلى أهمية تضافر الجهود المجتمعية لمواجهتها، ومبرزًا الحاجة الماسة إلى الدعمين النفسي والقانوني للضحايا.
وعلى مسافة واضحة من مسلسلات العنف والبلطجة التي لا تعكس واقع الشارع المصري بدقة، حظيت مجموعة من الأعمال الأخرى بردود فعل إيجابية، منها ظلم المصبطة، وحسبة عمري، وكامل العدد، حيث قدمت هذه الأعمال معالجة درامية لقضايا اجتماعية ملموسة تعيشها الأسر المصرية، فجاءت أقرب إلى الناس وأكثر تعبيرًا عن واقعهم.
وفي هذا السياق، لا يسعني إلا أن أخص بالشكر صنّاع مسلسل عايشة الدور، للفنانة دنيا سمير غانم، والذي أعاد إلى الشاشة نموذج الفنانة الاستعراضية الشاملة، الذي طالما افتقدناه في السنوات الأخيرة. كما حمل المسلسل مشاهد غنية بالذوق الفني الرفيع من قلب أسوان، عكست صورة حضارية راقية عن “أرض الذهب”.
وعلى هامش هذا المشهد، أجد من المهم أن أوجه كلمة للفنان الكوميدي مصطفى غريب، صاحب الموهبة اللافتة، بأن يتجنب الوقوع في فخ التكرار، كما حدث مع الفنان محمد سعد الذي حُصر في شخصية واحدة لأسباب إنتاجية، رغم امتلاكه طاقة فنية هائلة. وأدعوه إلى التحرر سريعًا من شخصية “عربي” في مسلسل أشغال شاقة، والبحث عن أدوار جديدة تفتح أمامه آفاقًا أرحب، لأننا بحاجة إلى ممثلين كوميديين قادرين على التجديد والتنوع، فالكوميديا الحقيقية هي فن عابر للأنماط، ويستحق أصحابها أن يحظوا بفرص تثري تجربتهم وتثري الساحة الفنية المصرية.