أمجد الفقي يكتب: ” ممر داوود ” سيف الشيطان الذي يوشك أن يقطع أوصال بلاد الشام

تبدأ القصة منذ عام 1982 حيث كانت إسرائيل تحتل بيروت وجنوب لبنان، و في ذلك الوقت خرج كاتب إسرائيلي يدعى “عودي دينون ” بخطة شيطانية مفادها هو تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات وكيانات صغيرة على أساس ديني و عرقي و طائفي وهي ذات الخطة التي أعاد التذكير بها ” برنارد لويس ” و الذي أكد على أن هذه الخطة ستكون الحل الأنسب لإسرائيل لضمان أمنها واستقرارها.
و استكمل شيمون بيريز الرئيس الأسبق لإسرائيل صياغة الخطة بشكل دقيق، وفق الطرح الذي قدمه في كتابه ” الشرق الأوسط الجديد ” الذي صدر عام 1993، بأن تلك الدويلات التي ستنشأ على أنقاض الفرقة في الدين و العرق و الطائفية، سيجمعها تعاون اقتصادي تكون مركزه إسرائيل، و من هنا تحديدا، أي من هذه الأفكار ولدت فكرة أو خطة أو مشروع يسهم بربط هذه الكيانات فيما يعرف باسم ” ممر داود “، و هو طريق إقتصادي بالدرجة الأولى، و استراتيجي أمني بالدرجة الثانية سيخرج من إسرائيل حتى يصل إلى ضفاف نهر الفرات يكون ظاهره توحيد تلك الدويلات المتفرقة و باطنه حلم إسرائيل الكبرى.
و لكي تدرك عزيزي القارئ مسار الأحداث الجارية و المستقبلية في سوريا عليك أن تتبع مسار هذا الممر على الخريطة و الذي سيكون شكله كالتالي:

نقطة الانطلاق من الجولان التي تحتلها اسرائيل، وتعتبرها جزءا من اراضيها، ثم سيمر الطريق المفترض بمحافظة القنيطرة جنوب سوريا، ثم محافظة درعا، ثم محافظة السويداء جنوب سوريا أيضا، وهنا ستدرك لما سيطرت إسرائيل مباشرة بعد سقوط نظام الأسد على الجنوب السوري و الذي لن يعفي التاريخ أباه ” الأسد ” الذي باع الجولان عدا و نقدا لإسرائيل، بل أن هذا الممر سيتخطى تلك المحافظات و سيكمل بمحاذاة الحدود السورية الأردنية، أي في المناطق الصحراوية التي تعتبر جزءا من حدود محافظة حمص السورية وصولا لمدينة التنف الواقعة في مثلث الحدود السورية الأردنية العراقية، ثم سيتابع طريقه عبر محافظة دير الزور السورية، و بمحاذاة الحدود السورية العراقية، حتى يحط رحاله الاستعمارية عند معبر البوكمال القائم، وهو المعبر الذي يفصل سوريا عن العراق، أو بشكل أكثر دقة عند بوابة البوكمال بين الطرفين .
لكن لماذا هذا المسار تحديدا الذي تم اختياره ليكون “ممر داوود ” ؟!
و للإجابة على هذا السؤال يجب معرفة سبب التسمية!
وفقا للأدبيات الصهيونية الإسرائيلية؛ فإن داوود المعروف لدى المسلمين أحد الأنبياء، أما بالنسبة للإسرائيليين هو ملك و مؤسس لما اسموه مملكة إسرائيل الكبرى، والتي كانت تمتد من فلسطين إلى ما حولها وفقا لما يدعون، ومن هذه التسمية تستطيع أن تفهم أن هذا المشروع، أي” ممر داود ” هو جزء من حلم إسرائيل المعروف باسم دولة إسرائيل الكبرى.
والآن ، دعونا نعد للإجابة عن السؤال، ولما اختيرت تلك المناطق ليمر بها المشروع..
نبدأ من الجولان التي تريد إسرائيل إثبات أنها أرض إسرائيلية، والتي هي وفقا للأمم المتحدة تعتبر أرضا محتلة، ثم القنيطرة وجارتها درعا، وهذه محافظات الجنوب السوري رفقة محافظة السويداء، طبعا ذات الغالبية الدرزية والتي أشيع مؤخرا العديد من الأخبار و التصريحات عن مصير هذه المحافظة التي خرج نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنفسه للقول بأن هذه المحافظة تحت الرعاية والحماية الإسرائيلية، بل إن الإسرائيليين يفكرون بجعل السويداء عاصمة لدويلة جديدة مفترضة في الجنوب السوري تتكون من المحافظات الجنوبية و هذه المحافظات هي القنيطرة ودرعا بالإضافة للسويداء نفسها، وهنا يتقاطع المشروع مع خطة ” دينون ” التي تفترض تقسيم سوريا .
لكن ماذا عن بقية المسار ؟!
سأخبرك عزيزي القارئ ..
بعد أن يتخطى الممر محافظات الجنوب التي قد تصبح دويلة في وقت قريب، سيتابع طريقه نحو مدينة التنف التي تحتضن أكبر القواعد الأمريكية في سوريا؛ لذلك لن تجد إسرائيل مشكلة بمرور الطريق فيها، كما أن التنف ضمن حدود الدويلة الثانية المفترضة بسوريا و هي الدويلة الكردية والتي ستشمل دير الزور كجزء منها، فضلا عن مدينة البوكمال التي سينتهي الممر عندها.
إذا مسار ممر داود ليس عبثيا، بل تم اختياره و التخطيط له بعناية حيث انه لن يمر بسوريا بوحدتها القديمة، بل بالدويلات التي من المفترض أنها ستنفصل عن سوريا وفق خطة “دينون ” إحداهما مبنية على أساس عرقي وهي دولة الأكراد، والأخرى على أساس طائفي وهي دولة الدروز.
لكن السؤال الآن ما الذي ستستفيده إسرائيل من هذا الممر؟ ولماذا هو ممر اقتصادي؟
و اسمح لي أن اجيب عن هذا السؤال بعمق؛ فالفكرة لا تقف فقط على كون هذا الطريق يتضمن رمزيا المرور بخارطة ما تسمى دولة إسرائيل الكبرى، و إنما له فوائد أخرى عديدة لإسرائيل و هي فوائد اقتصادية و أمنية و إستراتيجية.
اقتصاديا.. هذا الطريق سيتضمن خطا لنقل النفط من المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية المسلحة، والمعروفة باسم ” قوات قسد ” ، والتي يحلم الأكراد بأن يمر النفط من خلاله كطريق لا يمر عبر الأراضي السورية، ولا يصل لموانئها هذا من ناحية.
أما من الناحية الثانية فهذا الطريق الواصل لنهر الفرات هو جزء من الصراع القادم في العالم على المياه العذبة، وهو صراع مؤجل سيصل إليه العالم عاجلا أم آجلا، وإسرائيل بلا شك تريد تأمين مستقبلها من المياه، ونهر الفرات سيكون أحد مصادر هذا التأمين، فضلا عن كون الطريق سيؤمن تبادل السلع والبضائع مع الدويلات الجديدة المفترضة حتى يصل لعمق آسيا، أي تركيا وأذربيجان، وهي دول بينها وبين تل أبيب تبادل تجاري كبير، و كل هذا من الناحية الاقتصادية.
أما من الناحية الأمنية و الاستراتيجية؛ فهذا الممر يقطع أوصال بلاد الشام و يمهد لتفتيت هذه الدول، ويجعل من إسرائيل دولة بلا منافس في المنطقة، كما يقطع الطريق على إيران في حال فكرت في مد أذرعها من جديد إلى لبنان، كما يضع إسرائيل بموقع قوي للمفاوضة على نصيب من المشروع الأكبر المرتقب، وهو مشروع خط الغاز القطري لأوروبا والذي حتما سيتقاطع مع ممر داوود حتى يكمل طريقه من قطر لتركيا، وهو ما يعني أن إسرائيل تريد نصيب الأسد من خلال تموضعها في هذا الممر و هو ما يجعلها قلب المنطقة لتكون محور و ركيزة جديدة لشرق أوسط جديد .
حيث أن ممر داوود ليس المشروع الوحيد الموعود؛ فهنالك أيضا حديث سابق عما يمكن تسميته طريق الحرير الأمريكي الذي من المفترض أن ينطلق من أوروبا ليصل للهند، ووفق مهندسيه فإنه سيمر من إسرائيل و يقطع دول الخليج حتى ينتهي في عمق اسيا أيضا.
و بذلك تكون تل أبيب وفق هذه المشاريع و المخططات الشيطانية المركز الجديد للمنطقة وقلبها، و كل هذا المخطط مرهون و متوقف ليس فقط على أحلام إسرائيل ودعم الأمريكيين لهم، بل هو بالأساس مرهون بشعوب هذه المنطقة “العرب”، وتحديدا السوريين؛ فهؤلاء أمامهم الخيار الآن؛ فإما أن يختاروا الوحدة والتماسك للصمود والمواجهة أمام هذه المخططات، أو يختاروا الفرقة والتفتت وهو ما سيجعل بلادهم لقمة سائغة في فم شياطين الإنس على ظهر هذا الكوكب .
و لا يجب أن تنسى عزيزي القارئ “مشروع الشام الجديد “ذلك المشروع الذي يعد جزءا من خطة مصر الاستباقية بالتعاون مع الأردن و العراق لإجهاض مخطط “ممر داوود “.
تماما مثل الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة اللي كانت جاهزة فورا لضرب خطة التهجير .
و لذلك كن واثقا في مصر على الدوام و في خطوات رجالها على رقعة الشطرنج .