شحاتة زكريا يكتب: مصر في قلب العاصفة الدولية ولكن بوصلتها ثابتة

لم يكن العالم في يوم من الأيام أكثر تعقيدا مما هو عليه الآن. خريطة التحالفات تتغير، والملفات الشائكة تتشابك والمصالح تتقاطع أحيانا حد التصادم. في هذا المشهد تتحرك مصر بثبات، واضعة نصب عينيها هدفا أساسيا:
حماية مصالحها الاستراتيجية، دون التفريط في ثوابتها الوطنية.
زيارة الرئيس السيسي إلى إسبانيا، كما سبقها من جولات أوروبية، لم تكن مجرد نشاط دبلوماسي عابر بل كانت جزءا من استراتيجية محسوبة في إدارة ملفات بالغة الحساسية، على رأسها القضية الفلسطينية التي تعيش أسوأ مراحلها بعد التصعيد غير المسبوق في غزة، في ظل محاولات دولية لفرض سيناريوهات تتجاوز الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وهنا كانت القاهرة واضحة وحاسمة.. لا مجال لتهجير الفلسطينيين ولا تنازل عن الثوابت.
التحركات المصرية لم تقتصر على البعد السياسي بل امتدت إلى شراكات اقتصادية تسهم في دعم الاستقرار الداخلي وهو رهان تدرك القيادة أهميته. فلا يمكن فصل الأمن القومي عن الاقتصاد ولا يمكن تحقيق استقلال القرار السياسي دون قوة اقتصادية متماسكة. من هنا تأتي أهمية التعاون مع الدول الأوروبية التي تبحث عن شركاء موثوقين في منطقة الشرق الأوسط وتجد في مصر الدولة القادرة على توفير هذا الاستقرار.
لكن وسط هذه التحركات هناك من يحاول التشكيك في المسار المصري سواء عبر تسريبات مغلوطة أو تحليلات متسرعة تتجاهل أن السياسة لا تُدار بردود الأفعال اللحظية، بل برؤية طويلة المدى. وما يراه البعض تراجعا قد يكون في الواقع خطوة إلى الخلف لالتقاط الزخم نحو قفزة استراتيجية إلى الأمام.
الملفات الإقليمية الساخنة من أمن البحر الأحمر إلى النزاعات الحدودية في إفريقيا تعكس مدى تعقيد البيئة التي تعمل فيها مصر لكنها في الوقت نفسه تكشف عن قدرة الدولة المصرية على التعامل مع الأزمات بأدوات متعددة، من الدبلوماسية الهادئة إلى الرسائل الحاسمة عندما يتطلب الأمر ذلك.
لا شك أن الطريق ليس سهلا لكنه ليس غامضا. من يتتبع التحركات المصرية يدرك أن هناك منهجية واضحة: تعزيز الشراكات دون ارتهان ودعم الاستقرار الإقليمي دون الدخول في مغامرات غير محسوبة والاستثمار في المستقبل دون التفريط في الحاضر. وفي عالم يموج بالصراعات يكفي أن تبقى البوصلة ثابتة حتى وإن اشتدت العواصف.