د. أحمد شندي يكتب: لا تكن مغرورا

الغرور صفة قد تبدو مغرية لبعض الناس، إذ تمنحهم شعورًا بالتميز والاعتزاز بالنفس، لكنها في الحقيقة تحمل تأثيرات سلبية على العلاقات الاجتماعية والنفسية. الغرور ليس إلا حاجزًا يحجب عنا رؤية الواقع كما هو، ويجعلنا نبتعد عن قيم التواضع والاحترام المتبادل؛ فالغرور معناه عبارة عن شعور مفرط بالتفوق على الآخرين، مدفوع أحيانًا بشعور داخلي بالنقص أو برغبة في إثبات الذات. المغرور يرى نفسه دائمًا أفضل من غيره، ويستخف بمن حوله، مما يجعل الآخرين ينفرون منه.
اذا كنت لا تساعد الاخرين في حال حاجتهم للعون ولا تطلب انت المشورة والنصيحة في حال احتجت لها لانهم اقل فهما منك، واذا اصبحت تجرح مشاعر الاخرين ولا تأبه لهم، وايضا اذا كنت بخيلا بالمشاعر والعلاقات الاجتماعية وتظن انك وحدك انت الافضل فماذا تكون؟
أكثر الناس عرضة للانزلاق بوحل الغرور هم ما اطلق عليهم “أشباه المثقفين” لأنهم يعتبرون أنفسهم بالمعرفة التي يكتسبونها أكبر قدرا من غيرهم وأفضل وأعلى قيمة ووزنا، بيد أنهم لا يعلمون ان المعرفة هي من أحد اشكال الوصول الى الوعي، لكنها ليست بالضرورة تخلق الوعي، لذلك ما أكثر من يعرفون وكم هم قلة الواعون.
ومما لا شك فيه مسألة الغرور ترتبط باحترام الرأي الآخر فتصبح مساحة قبول الآخرين واحترامهم عند المغرور ضيقة، كما ان المغرور لا يحترم قدرات وامكانات الآخرين، ويصبح المغرور يرى قدراته بصورة اكبر من حقيقتها وواقعها، فهناك فرق بين الحلم والامكانية، يقول المغرور: “نحن تتعلم منا الناس بينما نحن لا نتعلم من أحد ونعلم أكثر من الجميع”.
وعلاوة على ذلك الغرور في القرآن الكريم يُعد من الصفات المذمومة التي حذر الله منها، لأنها تؤدي إلى التكبر والعصيان وتُبعد الإنسان عن الطريق المستقيم. ويُذكر الغرور في سياقات متعددة، حيث يُنبه القرآن المؤمنين إلى خطورته وآثاره السلبية على النفس والمجتمع ، كما حذرنا الله سبحانه وتعالي عن الانشغال بزينة الدنيا والاغترار بمتاعها الزائل، الذي قد يُنسي الإنسان الغاية الحقيقية من وجوده“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ”(سورة فاطر: 5)
وكما يقول الله تعالى عن غرور الشيطآن بالإنسان :
“وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ”(سورة الأنفال: 48)
هذه الآية توضح كيف يُغر الشيطان الإنسان، ثم يتخلى عنه عند الحاجة، مما يُبرز خطورة اتباع وساوسه.
وهناك نوع آخر من الغرور بالأعمال الصالحة أو التباهي بها يُفقدها قيمتها عند الله، لأن الإخلاص هو الأساس في قبول العمل وذلك في قوله الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ”
(سورة البقرة: 264)
ومن أمثلة قصص في القرآن عن الغرور
1. فرعون:
رمز الغرور والتكبر الذي قال: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ” (سورة النازعات: 24). كان عقابه الهلاك عبر الغرق ليكون عبرة لكل متكبر ومغرور.
2. قارون:
الذي اغتر بماله وقال: “إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي” (سورة القصص: 78)، فكان عقابه أن خسف الله به الأرض.
لماذا يجب أن تتجنب الغرور؟
1. تدمير العلاقات الاجتماعية:
الأشخاص المغرورون يجدون صعوبة في بناء علاقات قائمة على الحب والاحترام، لأنهم يميلون إلى التقليل من شأن الآخرين.
2. فقدان التعاطف:
الغرور يمنع صاحبه من رؤية معاناة الآخرين أو تفهم وجهات نظرهم، مما يجعله غير محبوب.
3. إعاقة التطور الشخصي:
الشخص المغرور يظن أنه وصل إلى الكمال، مما يمنعه من التعلم والنمو.
4. التأثير السلبي على النفس:
الغرور يخلق وهمًا زائفًا بالسعادة، لكنه يؤدي إلى شعور بالوحدة والفراغ على المدى البعيد.
كيف تتجنب الغرور؟
1. تعرف على نفسك بصدق:
كن صادقًا مع نفسك، واعترف بنقاط قوتك وضعفك. التواضع يبدأ من فهم أن الكمال غير موجود.
2. استمع للآخرين:
امنح الآخرين فرصة للتعبير عن آرائهم، واحترم وجهات نظرهم، حتى لو كانت مختلفة عن رأيك.
3. مارس الامتنان:
قدّر النعم التي لديك، واعترف بأن ما وصلت إليه لم يكن بجهدك وحدك، بل بفضل الله ودعم الآخرين.
4. تعلم من النقد:
بدلاً من الشعور بالإهانة من النقد، حاول أن تستفيد منه لتحسين نفسك.
5. ساعد الآخرين:
التواضع يظهر في أفعالك. عندما تقدم يد العون للآخرين دون انتظار مقابل، ستجد أن الشعور بالرضا يغنيك عن الغرور.
خلاصة القول:
التكبر على المتكبر صدقةٌ؛ لأنّه إذا تواضعتَ له تمادى في ضلاله وإذا تكبّرتَ عليهِ تَنَبَّهَ.
فالتواضع ليس ضعفًا، بل هو علامة قوة وثقة حقيقية بالنفس. حين تبتعد عن الغرور، تفتح أبوابًا للعلاقات الطيبة، وتنال احترام الآخرين، وتعيش حياة أكثر رضا وسلامًا. تذكر دائمًا أن قيمة الإنسان تُقاس بأخلاقه، وليس بمكانته أو مظهره.