fbpx
معرفة

عندما أصبحَ الإسفافُ خطابًا دينيًا

تامر العربي
تامر العربي

الخطابُ الدينيُّ هو المشكلةُ التي يعاني منها العالمُ العربيُّ الآن في الوقتِ الذي ذهبَ فيهِ الغربُ نحوَ التقدمِ وإعلاءِ قِيمِ العدلِ والحريةِ والمساواةِ والرقيِّ والترفُّعِ عن النزعات الطائفيةِ والعرقيةِ، فَوصلَ قطارُ التقدمِ بهم إلى مصطلح التعايشِ السلمي، فأصبحَ الدينُ للهِ والوطنُ للجميعِ والحياةُ في سلامٍ مع النفسِ والآخر.
في حين -نحن العربَ- إنتهجْنا في بدايةِ السبعينات خطاباً دينياً أعتقِدُ أنه بعيدٌ تماماً عن رَوحِ الإسلامِ ومبادئ السلام؛ فقد قال الله عزَّ وجلَّ مخاطباً رسوله الكريم بقوله تعالي (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) آية (١٢٥) من سورة النحل. ومع وضوحِ المعنى والهدفِ من الأيات، وجدنا بعضَ الدعاةِ يتركون الدعوةَ بالموعظةِ الحسنةِ، ويؤسِّسوا خطاباً دينياً جديداً قائمًا علي الإسفافِ والسخريةِ ممن يخالفُهم في الفكر .

مع بدايةِ السبعينات وإرتفاع نجمُ دعاة الكاسيت، ظَهر لنا الشيخُ “عبد الحميد كشك”، خرج علينا في خطابٍ شهيرٍ يسُب فيه سيدةَ الغناء العربي، السيدة “أم كلثوم” بأسلوبٍ ساخرٍ، ويقول: “سيدةٌ في السبعين تقول خدني في حنانك خدني أخذكي المولي عز وجل”. هل هذا الكلام يقعُ تحت قاعدة أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، أم إهدارٌ لأخلاقٍ ، وقيمٍ، وانحدارٌ لخطابٍ أعتقِدُ أنه هو أجلُّ وأرقى من إنتهاجِ منهجِ السخرية.
فكانت هذه البدايةُ لعصرِ خطابٍ دينيٍّ جديدٍ، إرهاصاتُه بدأت مع الشيخ “كشك”، وبدأت مدرسةٌ جديدةٌ هي إسفافُ الخطابِ الديني والإغتيالُ المعنويُ للمخالف، فلا عجب أن نري في وقتنا الحالي “وجدي غنيم” يسبَّ كلَ مخالفٍ، بل ويُكفِّره، وانحدر الخطابُ أكثرَ وأكثرَ حتي وصل إلى البذاءةِ، والسبِ المباشر للمخالف في الفكر الديني، أو الأيدولوجيا السياسية، بل وذهب غيرَه لأكثر من هذا إلى شرعنة السبِ، وبالدليل من السُّنةِ فقد قالها المدعو “عبدالله بدر” في سابقة علي قناةٍ ينعتوها بقناةٍ دينيةٍ، فقد قال: “يلومُنِّي أني أسبَ، فقد كان رسولُ الله سباباً”.

لقد دق ناقوسُ الخطرِ، وعلى الدولةِ المصريةِ -بل والعالم العربي- أن تأخذَ طريقًا لا بديلَ له، هو تصحيحُ مسارِ الخطابِ الديني، وفتحُ المجال للمثقفين وأصحابِ الرأي إلى نقضِ ما لحِق بالتراث الديني من إسفافٍ، وأساطيرٍ وُلِد علي آثارها خطابٌ بائسٌ، وجماعاتٌ تنتهج القتل والعنف. فالخطرُ كلُ الخطرِ في هذا الخطاب. أطلِقوا يدَّ من يجتهد بدون رفع سلاحِ قانونَ الإزدراء عليه، فالخطرُ ليس نقدُ الفكرَ بالفكرِ، ولكنّ الخطرَ من يرُد علي الفكرةِ بالسب والتكفير .. وبالسلاح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى