fbpx
أخبار العالمسلايدر

الغاز والحدود والاقتصاد..أزمات المغرب والجزائر

كتبت: نهال مجدي

تدقيق لُغوى: عبد العزيز السلاموني

الجزائر والمغرب هما البلدين الأقوي والأكثر استقرارا فى المغرب العربي، ووحقيقة ان بينهما تاريخ من الكفاح مشترك ضد الإستعمار الفرنسي لم تمنع أن الخلافات بينها التى ما تلبث أن تهدأ حتى تعود إلى السطح أكثر وضوحاً وقوة.
وبعد حوالي ستين عاما من الاستقلال، نجد أن حدود البلدين ظلت مغلقة طيلة 45 عاما (63-69، 76-88، من 1994إلى الآن)، هذا بخلاف قطع العلاقات الديبلوماسية الذى دام لحوالي عشرين عاما. كما تسببت النزاعات الحدودية بين البلدين في نشوب حربين كبيرتين (الرمال 1963 والصحراء 1975). ويتكبد اقتصاد البلدين خسائر سنوية بعشرات المليارات من اليوروهات بسبب القطيعة، أي ما يعادل 2 إلى 5%من الناتج المحلي للبلدين.
وتشهد العلاقات الجزائرية المغربية توترا منذ عقود، بسبب قضية الصحراء الغربية على وجه الخصوص، كما أن الحدود بين الجارتين مغلقة منذ عام 1994 تقريبا.
ثقة مفقودة
والأن وبعد ستة عقود من حرب الرمال، يبدو أن أثارها تطفو على السطح بقوة مع أول خلاف، فرغم توصل البلدين بعد مفاوضات طويلة لإتفاقية ترسيم للحدود (1972)، والمصادقة عليها سنة 1992 من طرف المغرب، يعيد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مسألة النزاع التاريخي بين البلدين إلى الواجهة، ليضعه ضمن مبررات قرار بلاده قطع العلاقات الدبلوماسية الأخير. ويكشف للمرة الأولى رسميا أن عدد الجنود الجزائريين الذين قتلوا في حرب الرمال يفوق 800 جندي.
ورغم الجذور التاريخية فى علاقات البلدين وحربهم معاً كتفاً بكتف فى معارك التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، ودور المغرب التاريخي في دعم الثورة الجزائرية، تنتشر في أوساط الطبقة السياسية الحاكمة الجزائرية رؤية كلاسيكية مليئة بعدم الثقة ونظرية مؤامرة لدى قادة مؤثرين في تاريخ الجزائر المستقلة، بدءا بالرئيس الراحل بومدين ووزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي وصولا إلى الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الأركان الفريق السعيد شنقريحة الذى شارك فى حرب الصحراء في منتصف السبعينيات.
بؤرة الصراع:
ويشكل ملف الصحراء اليوم أساس الأزمة بين البلدين، فهي الورقة التي تستخدمها الجزائر تاريخيا في مواجهة المغرب، فالجزائر تدعم جبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم، فيما يعتبره المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويتعهد بمنحه حكما ذاتيا تحت سيادته. ولا يبدو أن أي منهما مستعد للدخول في حرب ضد الآخر بسبب هذا النزاع كما يؤكد ذلك بوخلاف ومعه العديد من المراقبين.
وخلال عقود ظلت الجزائر تتمسك بموقفها الداعم لمبدأ تقرير المصير في الصحراء، وتقول إنها طرف مراقب في النزاع الذي يوجد تحت رعاية الأمم المتحدة، وترفض الخوض مع المغرب في طبيعة الدعم الذي تقدمه لجبهة البوليساريو. بينما يرى المغرب أنه لولا الدعم العسكري والدبلوماسي والإعلامي الجزائري لجبهة البوليساريو منذ خمسة عقود لأمكن تسوية النزاع وفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة. ويراهن المغرب على تسوية النزاع اعتمادا على خطة حكم ذاتي موسع طرحها منذ بضع سنوات، وهو المقترح الذى ترفضه جبهة البوليساريو.
وفى المقابل غضب الجزائر ويعود سياقه لمعركة ديبلوماسية طاحنة، كان مسرحها اجتماع لمنظمة عدم الانحياز فى يوليو الماضي أثار فيها العمامرة قضية الصحراء الغربية. ورد عليه مندوب المغرب في الأمم المتحدة عمر هلال في مذكرة وزعها على أعضاء المنظمة، يستنكر فيها إثارة العمامرة للقضية، معلنا في نفس الوقت دعم بلاده لـ”حق تقرير مصير شعب القبائل” بالجزائر. وهو الأمر الذى أشعل غضب الجزائر التي اعتبرت أنه لا مجال للمقارنة بين مشكلة دولية في يد الأمم المتحدة (الصحراء وجبهة البولساريو) وبين منطقة القبائل التي تعتبر جزء من الأراضي الجزائرية معترف بها دولياً.
التطبيع المرفوض
تنتقد الجزائر علناً الموقف المغربي من التطبيع الدبلوماسي بين الرباط وتل أبيب. وسبق للرئيس تبون أن انتقد فى سبتمبر 2020 التقارب مع إسرائيل وقال “أنا أرى أن هناك نوعا من الهرولة نحو التطبيع ونحن لن نشارك فيها ولن نباركها، والقضية الفلسطينية عندنا تبقى مقدسة بالنسبة إلينا وللشعب الجزائري برمته”، وحينها لم تطبع الرباط بعد علاقاتها مع إسرائيل. وبالتالي فقطع العلاقات مع المغرب قد يفهم منه رد فعل متأخر على اتفاقيات إبراهيم. الجزائر غضبت أيضا من تصريح لوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد خلال أول زيارة رسمية له للمغرب (12 أغسطس الجاري) عبر فيه عن “قلق بلاده من التقارب بين إيران والجزائر، ورفض الجزائر قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب”. ونددت صحف جزائرية بما أسمته “تشكيل محور بين المغرب ودولة الكيان الصهيوني” ضد المصالح الجزائرية ووحدتها.
أزمة “ميدغاز”
أحد أهم نقاط الخلاف على الصعيد الاقتصادي، هو محاولة الجزائر الأن توريد النفط إلى إسبانيا عبر خط “ميدغاز” والاستغناء عن الأنابيب العابرة للأراضي المغربية، في الوقت الذي ينتهي فيه الاتفاق الثلاثي بين الجزائر والرباط ومدريد في أكتوبر المقبل، وكانت قد طرحت تكهنات خلال الشهور الأخيرة عن عدم رغبة الجزائر في تجديد العقد الذي يربطها مع إسبانيا والمغرب. وكان المغرب قد أعرب، قبل قطع العلاقات، عن تأييده تمديد العقد. وفى المقابل ركزت الجزائر على مشروع توسيع طاقة خط أنابيب الغاز “ميدغاز” الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا. وفي 20 مايو الماضي، أعلنت وزارة الطاقة الجزائرية تدشين خط أنابيب غاز جديد، لدعم قدرة خط “ميدغاز” الرابط بين الجزائر وإسبانيا عبر البحر المتوسط. وفي 2018 جددت “سوناطراك” عقود توريد الغاز إلى إسبانيا بكميات سنوية تقدر بـ 9 مليارات متر مكعب، وفق أرقام رسمية.
وجدير بالذكر أن مشروع أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي كان ثمرة المصالحة قبل ثلاثة عقود، والأن أصبح مجمدا تماما كحال العلاقات بين البلدين.
احتمالات الحرب
ورغم تدهور العلاقات بين البلدين التى تسير من سيء لأسوء، إلا أنّ معظم المراقبين يستبعدون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بسبب توازن القوى العسكرية بين البلدين اللذين يتربعان على عرش شراء الأسلحة في القارة الإفريقية. هذا بخلاف أن التجارب السابقة من المواجهات العسكرية المباشرة بين البلدين تجعل القيادات السياسية والعسكرية من الطرفين يعيدون التفكير ألف مرة، تقديراً لعواقب أي مواجهة مفتوحة. كما أن القادة الجزائريون أكدوا في أكثر من مناسبة، في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الأقل، أن بلادهم لن تدخل أبدا في حرب مع المغرب بسبب الصحراء الغربية.
للشعوب رأي أخر
وعلى الرغم من كل النزاعات والحروب والخلافات، ما تزال أصوات من النخب والمجتمع المدني ترتفع في كلا من الجزائر والمغرب تطالب حكومتيهما بالتعقل والجلوس إلى طاولة الحوار وتغليب منطق التفاهم وروابط الأخوة التي تربط الشعبين أكثر من أي شعبين آخرين في المنطقة. وقد ظهرت هذه الأصوات بوضوح بعد صدور قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وحتي رغم اعتراض فئات عديدة من الرأي العام والنخب السياسية الجزائرية مع مسألتي مناهضة التطبيع مع إسرائيل واستقلال منطقة القبائل على وجه الخصوص، ارتفعت أصوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تنتقد قرار قطع العلاقات وترى بأنه محاولة لإسقاط مشاكل داخلية على الجار المغربي، واتخاذه كعدو لصرف الأنظار عن عدم الاستقرار السياسي المستمر منذ سنتين بسبب تداعيات جائحة كورونا والحراك الشبابي الذي تسبب في إزاحة الرئيس السابق بوتفليقة ومحاكمات فساد تاريخية. وانتشر بشكل مكثف على وسائل التواصل الاجتماعي في البلدين هاشتاج “خاوة خاوة ماشي عداوة” (إخوة إخوة وليس أعداء). وهذا الضغط الشعبي جعل المحللون بالسياسية يرون أن علاقات البلدين بحاجة الأن وبشدة اللى حكماء من الجانبين يحاولون وضع تصورات غير تقليدية في معالجة الملفات الحساسة والتاريخية وتحاول إصلاح ما أخفق فيه الساسة وعلاج الملفات السياسية والتاريخية الحساسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى