fbpx
معرفة

الحادِثُ والحَديثْ

محمد ماهر

كتب: محمد ماهر

تدقيق لُغوي: ياسر فتحي

قالَ أسلافُنا “لِكُلِّ حادثٍ حديثْ” وأرىٰ إدارة البلاد في مصر الآن تُطَبِّق مبدأ أسلافنا، فقد عكفنا على التفاوض مع الأثيوبيين لِعقدٍ كامل مِن الزمان ولَمْ نتململ مِن أجل الوصول لاتفاقٍ عادل وقانونيٍ مُلزمٍ، إلا أنَّ المفاوض المصري كان يرى أنَّ الأثيوبي لا يريد اتفاقًا ويَبرَعُ في تَضييعِ الوقت حتى يصبح السد وخزانه أمرًا واقعًا، لكننا عكفنا على المفاوضات حتى آخر فرصة، وعندما انتهت كل الفرص وبدأوا في الملئِ الأول ذهبنا لمجلس الأمن لأول مرة – حتى نسجل موقفَنا وموقفهم – لمناقشة الملئِ الأول وأعادَ المجلس المفاوضات للاتحاد الأفريقي وعدنا جميعًا للتفاوض، وكما توقعنا لَم نتوصل لشئٍ وذهبنا لمجلس الأمن مرة ثانية، ولكن في هذه المرة فعَّلَت مصر اتصالاتها بكل الدول الأعضاء وضغطت للخروج بأي منتج مِن مجلس الأمن وبالفعل صدر البارحة بيان رئاسي مِن المجلس بعودة المفاوضات تحت إشراف الاتحاد الأفريقي وبحدود زمنية “معقولة”، أي أنها ليست مفتوحة و “في أسرع وقت”.

هذان حدثان لَمْ يحدثا منذ تأسيس الأمم المتحدة ومجلس الأمن عام 1945، الأول هو مناقشة مشروع “تنموي” والثاني هو صدور بيان رئاسي بخصوصه، فدائمًا ما كانت المشاريع المائية أمورًا “تنموية” ليست مِن اختصاص مجلس الأمن، بالإضافة إلى أنَّ بعض الدول العظمىٰ فعلت ما فعلته أثيوبيا، لذلك فإنَّ في الأمر حرجْ، بل ومصالح دول عظمىٰ، لكن مصر قد أجبرت المجلس على رؤيتها بأنَّه حادثٌ يهدد السلم والأمن الدوليين وأنه على المجلس اتخاذ رد فعل واضح وصريح لأول مرة في التاريخ. فمصر دائمًا ما تغير مجرى الأحداث والتاريخ في العالم كله، ولسنا ببعيد عن مخطط “الربيع” الذي كاد أنْ يودي بشعوب المنطقة كلها إلى الهاوية لولا أنْ سخر الله مصر لوقف هذا الدمار.

هنا نقف لِوَهلةٍ لنرىٰ تسلسل الأحداث ونُثني على إدارة الأزمة والقائمين عليها، بالرغم مِن كل ضغوط الرأي العام المصري، آثَرت الإدارة أنْ يتهمهم بعض فئات الشعب بالتخاذل عن أنْ ينحرفوا عن المنهج الذي وضعوه لأنفسهم لإدارة الأزمة، ألا وهو لكل حادث حديث.

أصدر مجلس الأمن بالأمس بيانًا رئاسيًا يحث فيه كل الأطراف، مصر والسودان وأثيوبيا، للعودة لمائدة المفاوضات والوصول لحل يرضي جميع الأطراف في حدود زمنية معقولة وبأسرع وقت على حد ما نَصَّ البيان.

وكان رد الفعل الأثيوبي معروفًا منذ البداية وهو أنْ تأسف أثيوبيا على قبول مجلس الأمن بالضغوط المصرية ومناقشة “مشروع تنموي ليس مِن اختصاصه” ودائمًا ما اتهمت أثيوبيا مصر بممارسة ضغوط على الدول المتعاونة مع أثيوبيا وفي مجلس الأمن وكأنَّ ذلك شيئٌ ممنوعْ !!!

الثابت هو أنَّ مصر غيرت مجرى التاريخ مرة أخرى باتباعها للمنهج المنضبط الذي وضعته لنفسها منذ بداية الأزمة ولَم تتزحزح عنه قيد أنملة مع كل الضغوط الشعبية، أو ضبابية الموقف أثناء تعنت بعض الدول العظمى التي تطالها القضية في مناقشة الموضوع في المجلس.

أمَا وقد صدر البيان الرئاسي عن مجلس الأمن، نقول بكل أريحية أن لكل حادث حديث، ولنرى ما يحدث لاحقًا ولنا في وقتها حديث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى