fbpx
مقالات

ورش السيناريو أفسدت الدراما .. و”الاختيار” بداية عودة الوعي

كتب: محمد أبوشادي

تُشكّل الدراما التليفزيونية عنصرًا مُهمًّا من عناصر الترفيه في المجتمع المصري، لأن الناس لاتزال تعشق الحكايات، وهذه سمة من سماتنا – نحن المصريين – فقَبل اختراع الراديو كان هناك مايسمى بالراوي، الذي يحكي قصص البطولات العربية في المقاهي الشعبية، وأجيال الكبار الذين عاصروا زهوة الراديو، والإذاعة المصرية.

وقد بدأ البث الرسمي للإذاعة المصرية في يوم 31 مايو 1934، ونتذكر معًا مسلسل الخامسة والربع مساءً، على إذاعة البرنامج العام، وماكان يمثّله من قيمة، من خلال تقديم أعمال ذات مستوى لصفوة الكٌتاب، إلى جانب تقديم السهرات الدرامية، التي تتحدث عن مشكلة، أو قضية، عبر برنامج أسبوعي، اسمه “من الحياة”، إذ كان يتلقى رسائل المستمعين، التى تتضمن مشكلة، أو سيرة ذاتية، تحمل فى طياتها رحلة كفاح، وكان البرنامج يحوِّل الرسالة لسهرة شديدة التكيُّف، وهي من أمتع ماقدمته الإذاعة.

ولمّا أفتُتِح التليفزيون في يوم21 يوليو 1960، حرص المسؤولون على تقديم الدراما، وكانت، من أول الأعمال التي قُدِّمت، مسلسلات: “هارب من الأيام”، و “العسل المر”، و”القط الأسود”، و”القاهرة والناس”، و”عادات وتقاليد”، ما فتح الباب للمواهب الشابة للعمل، والتدريب، وصقل الموهبة، من خلال إنتاج سهرات درامية، وسُباعيات (مسلسل من 7 حلقات)، وبهذا صار التليفزيون المصري مؤسسة ضخمة لتقديم المواهب في مجالات العمل الفني، بداية من عامل الإضاءة، ونهاية بالمخرج .

الموقف 2020

ولقد قُمت بدراسة عن الدراما التليفزيونية، التي قُدّمت، خلال العام الماضي 2020، من أهم نتائجها أنه تم إنتاج 50 مسلسلًا، من خلال 24 شركة إنتاج، بينما تجد شركة واحدة قدمت بمفردها 15 مسلسلًا، واشتركت فى الإنتاج مع شركات أخرى فى خمسة أعمال، في حين قدمت 15 شركة عملًا واحدًا فقط ..!
23 مسلسلًا من الـ 50 التي تم إنتاجها، كتب كل مسلسل منها، مؤلف واحد فقط، والـ 27 مسلسلًا الباقية كانت هناك ورشة كتابة لكل مسلسل، لدرجة أن مسلسلًا، أُنتِج منه جزءان، كتبته ورشة من 14 مؤلفًا !!! وهذا يعتبر رقمًا قياسيًّا.. أعتقد أنه لم يصل إليه أحد قبلنا.
وأيضًا.. أظهرت الدراسة ظهور 47 مؤلفًا جديدًا، يكتبون لأول مرة.

ورش الكتابة

هي ظاهرة موجودة، وأصبحت سائدة، بدليل أن أكثر من نصف الإنتاج الدرامي ناتج عنها.
ولكن.. لو شاهدنا هذا المنتج، فسنجد أن 90 % منه لايصلح للمشاهدة، لأن العمل فارغ تمامًا من الرؤية الفنية.
ولتقريب الحكاية.. هل يمكن لنا الحكم على مايقدم من خلال مسرح مصر، بأنه مسرح ؟!
أنا، شخصيًّا، لا أعتبر أن له صلة بالمسرح، ولكنه نوع من الاسكتشات، والاجتهادات المرتجلة لمجموعة فنانين موهوبين، وهذا ينطبق على ماتقدمه ورش الدراما.

الهرم المقلوب

يُعد المؤلف العنصر رقم واحد فى دورة إنتاج الدراما التليفزيونية، وتكون له رؤيته مع المنتج، فى اختيار المخرج  المناسب للعمل، ثم يختار الثلاثة فريق العمل، بداية من بطل العمل، وحتى أصغر ممثل.
وهذا كان المتعارف عليه في الماضي، أما مايحدث فى الوقت الحالي، فهو أن النجم يوحي للمؤلف بفكرة، أو العكس، ليشتغل عليها، سواء بمفرده، أو من خلال ورشة، وهو الذى يختار المخرج، ليذهبا بعدها معًا لشركة الإنتاج، ويتدخل النجم فى اختيارات فريق العمل معه، بل ومساحة أدوارهم كذلك !
أما الكارثة الحقيقية فهي دخول التصوير، والمخرج معه خمس حلقات فقط، من مسلسل مكوّن من 30 حلقة مثلًا، والباقية يتم استكمالها على الهواء أثناء التصوير !!
أما الوضع الطبيعي، الذى كان سائدًا من قَبل، فكان أن يُسلِّم المؤلف المُنتِج العمل كاملًا، والمخرج يُجري بروفات قبل التصوير، ليتأكد أن كل ممثل يعرف دوره جيدًا، لِخلق حالة من التآلف بين فريق العمل.

المسؤولية المجتمعية

يختلف التليفزيون عن السينما.. فالأخيرة تذهب لها، بمحض إرادتك، وِفقا لمواعيد محددة، وتدفع مقابلًا ماديًّا لهذه الخدمة.
أما التليفزيون.. فهو معك 24 ساعة، وداخل كل شقة تجد أكثر من شاشة، وبِخلاف القنوات المحلية، والعربية.. أنت على صلة كاملة بالعالم الخارجي، من خلال الريسيفر، بالإضافة إلى المنصات الإلكترونية، التى أصبحت تُنتج، وتعرض أعمالها الخاصة، ذات المواصفات، التي قد لا تتناسب مع مجتمعاتنا.
من هنا.. تأتي أهمية المسؤولية المجتمعية لمقدمي الخدمة فى مصر، والدول العربية، وهي أن يكون لديهم الوعي اللازم بالدور، الذى يقومون به؛ فهم يُخاطبون ملايين من المواطنين مختلفي الثقافات، والأذواق، والاهتمامات، والأعمار؛ وعليهم مخاطبة هؤلاء جميعا.. وهو أمرٌ لوتعلمون عظيم.

الحنين للماضي

مازالت الأعمال القديمة تحتل مكان الصدارة فى المشاهدة، على الرغم من تكرار عرضها عشرات المرات.. فمَنْ مِنا لم تستهويه مشاهدة مسلسل “رأفت الهجان”، على أى قناة، أو “ليالي الحلمية”، أو “الراية البيضاء”، و”ضمير أبلة حكمت”، أو “الشهد والدموع”، أو “دموع في عيون وقحة” للنجم عادل إمام، في دور “جُمعة الشّوان”، أو “أولاد آدم”، أو “المال والبنون”، والقائمة طويلة، لا يتسع المجال لذكرها، من الأعمال، التى مازالت تُشكّل جُزءًا كبيرًا من وجداننا، وذاكرتنا، وذكرياتنا.

البداية

هناك مسؤولية على شركات الإنتاج، والمؤلفين، والمخرجين، والفنانين، والدولة، هي أن تتبنى، وتشجع، وتموِّل الأعمال الوطنية، والبطولات، التي يزْخر بها تاريخنا السياسي، والعسكري، إلى جانب الأعمال الاجتماعية المحترمة، التي تُقدِّم لنا نماذج هادفة، ومُشرّفة من العلماء، فى المجالات كافة، من خلال عرض السِّير الذاتية لهم؛ ليكونوا قدوة لشبابنا.
أيضًا.. نحن أهملنا الأعمال التاريخية، والدينية.. ولعلّني أتذكر أن آخر عمل ديني، هو مسلسل “الوعد الحق”، الذي عُرِض في العام 1993.. أي قبل 28 سنة !!
وعلينا كذلك أن نعمل على تقديم أعمال مناسبة للأطفال، فهم الاستثمار الحقيقي للبلد.

وفي اعتقادي.. أن البداية ستكون من المبادرة، التي قامت بها الشركة المتحدة، بالتعاون مع شركة “سينيجري”، في مسلسل “الاختيار” العام الماضي 2020، الذي يروي قصة بطولة العقيد أركان حرب أحمد منسي، قائد الكتيبة 103 صاعقة، الذي استشهد، ومعه عدد من أفراد الكتيبة، صباح 7يوليو من العام 2017.
المسلسل يُجسّد هذه البطولة فى أول مسلسل درامي، يتم تصوير مشاهد حربية فيه، وهو، في الحقيقة، وثيقة درامية غير مسبوقة.
وقُدِم هذا العام “الاختيار 2″، الذي تناول بطولات رجال الشرطة، فى قطاع الأمن الوطني، وتضحياتهم، ونجاحهم فى التصدي لمؤامرات الجماعة الضالة، وأتباعهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى