fbpx
تقاريرسلايدر

حروب الأجيال.. مواجهة قانونية من الدولة لمقاومة السيطرة على العقول وتدمير المؤسسات

كتبت: نرمين قاسم
تدقيق لُغوي: إسلام ثروت

 

 

وافق مجلس النواب برئاسة المستشار حنفي جبالي، خلال الجلسة العامة، يوم الإثنين  الاول من نوفمبر 2021م، نهائيًا على مشروع قانون ينص على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات، لتغليظ عقوبة إفشاء أسرار الدفاع عن الدولة، لحماية الأمن القومي للبلاد.
ونظرًا لخطورة الحروب من الأجيال الجديدة كان من الطبيعي أن تعمل الدولة المصرية على تعديل بعض أحكام قانون العقوبات ليستهدف تغليظ عقوبة استخدام حروب الجيل الرابع والخامس ضد مؤسسات الدولة.
فالأجيال الجديدة من الحروب، حرب يتم فيها احتلال العقل وليس الأرض، لتجد نفسك في ميدان معركة لا تعرف فيها خصمك الحقيقي، حرب يتم فيها السيطرة على العقول لتقوم أنت بتدمير نفسك، وقد أكد الرئيس السيسي، خلال كلمته بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة من قبل أن “السبيل الوحيد لتدمير الدول هو تحويل الشعب نفسه لأداة لتدمير الدولة”، لافتًا أن “الجيل الرابع والخامس من الحروب مستمر، ويتناول قضايا استفزاز الرأي العام والنيل من قيادة الشعوب وجيوشها، كما حدث في عام ٢٠١١، من سرقة خطوط السكة الحديد، وأبرز مثال على ذلك خط الواحات”.
فقد تطورت الحروب على مدى العصور والاجيال، وتتغير أجيال الحروب مع إحداث نقلة نوعية مؤكدة في طبيعة الحرب، بغض النظر عن تكنولوجيا التسليح، لم تعد الحرب في الوقت الراهن مجرد حرب تقليدية واضحة المعالم والأدوات.

 

تطور أجيال الحروب

– حرب الجيل الأول
هي حروب الحقبة من ١٦٤٨ حتى ١٨٦٠، والتي كانت تُدار بين جيوش نظامية على أرض قتال محددة بين جيشين يُمثّلا دولتين في مواجهة عسكرية مباشرة تُدار بالأسلحة والمعدات القتالية المعروفة،
ومع منتصف القرن التاسع عشر بدأت ساحة المعارك في الانهيار، فطبيعة القتال تغيرت مع تطور الأسلحة؛ حيث تأثرت منظومة القتال والتي تميز حروب الجيل الأول، فتطوُّر أدوات الحرب وزيادة حجم تدميرها حوَّل ساحة القتال لميدان من الفوضى يصعب فرض النظام في أنحائه، والذي جعل الاستمرار في القتال بالتشكيلات الخطية وتكتيكات الصفوف والخطوط صور من صور الانتحار.

– حرب الجيل الثاني
ظهر هذا النوع من الحروب لمعالجة مشكلة الجيل الأول، والتي وضعها الجيش الفرنسي خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وذلك من خلال القوة الشاملة للنيران معظمها من المدفعية غير المباشرة، ومن ضمنها مدفعية الدبابات، وتتلخص فكرة هذا الجيل في أن نيران المدفعية تقهر العدو، والمشاة تحتل الأرض، تنفَّذ من خلال خطط مُفصلة، ويتم إستخدام النيران بشكل مركزي متزامن، يُسيطر عليه بعناية فائقة متزامنة مع قوة النيران التي يتم التحكم فيها مركزيًا، وذلك باستخدام خطط وأوامر للمشاة والدبابات والمدفعية.

حافظت حروب الجيل الثاني على ثقافة “النظام” في ميدان القتال حيث حلت نيران القوات الجوية محل نيران المدفعية لقوة تدميرها ومساحات تأثيرها.


– حرب الجيل الثالث
كان أول من انتهجها محدثًا هذا التطوير هو الجيش الألماني فيما أسموه بـ”حرب المناورة”، ويستند على السرعة والمفاجأة والتشتيت الذهني للعدو، وحرمانه من السيطرة على الساحة أثناء القتال، وتسعى القوات في الهجوم للوصول إلى عمق العدو، والعمل على انهيار أنساقه التالية واحتياطياته، أما في الدفاع، فإن القوات المدافعة تسعى دائمًا لحصار العدو ثم تجزئته، ولا مجال للمنافسة التقليدية على الخطوط المنتظمة في حروب الجيل الثالث.

ظلت الحروب هكذا لعقود طويلة حتى وصلنا للجيل الرابع والخامس من الحروب طويلة الأمد، حتى تمتد إلى أجيال، وتتعمد الإضعاف المستمر للعدو باستخدام كل وسائل الضغط المتاحة، من حصار اقتصادي وضغط دولي وإشاعات وتمويل لجماعات ضغط، سواء كانت سياسية أو مسلحة، وكل ذلك يحتاج إلى عدة سنوات، حتى تتحقق النتيجة المطلوبة.

الجيلين الرابع والخامس من الحروب يختلفان كليًا عن الأجيال السابقة بعدم اعتمادهما على ساحة قتال لشن هجمات.

– حروب الجيل الرابع
واستُخدم هذا المصطلح لأول مرة في عام ١٩٨٩، من جانب فريق من المحللين الأمريكيين، من بينهم المحلل الأمريكي “ويليام ستركس ليند”، لوصف الحروب التي تعتمد على مبدأ “اللا مركزية”، والتي أطلق مصطلحها “GW 4″، وعُرفت بأنها نزاع في منطقة غير واضحة المعالم بين دائرتي الحرب، وتُعرف أيضًا بأنها عنصر العنف غير الحكومي “VNSA”، أو ما يمكن تسميته بـ”A Violent Non-State Actor”، والذي يحارب دولة أخرى بأسلحته الخاصة، وقد صيغت على أنها “الحرب اللا متماثلة– Asymmetric War” أي الصراع الذي يتميز بعدم تكافؤ التسليح ولا مركزية الإجراءات، وقد طُور الجيل الرابع إلى “GW 4.6″، لتُستخدم فيه وسائل الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، والمعارضة السياسية والعمليات الاستخباراتية، وتعتمد حروب الجيل الرابع على المعرفة بنقاط قوة العدو، لتحويلها إلى نقاط ضعف يسهل مهاجمتها، والتسبب في خسائر فادحة، مثال على ذلك ما تعرضت له أمريكا نفسها في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حين تم استخدام أحد رموز القوة الأمريكية، وهما بُرجي التجارة، في ضرب الدولة نفسها بتفجيرهما بطرق غير تقليدية، وإحداث خسائر فادحة.

– حروب الجيل الخامس
حروب الجيل الخامس تُوصف بأنها “بلا قيود”؛ حيث لا توجد فيها محظورات، وإنما باتت خليطًا من توظيف جميع الأدوات المتاحة، التقليدية وغير التقليدية.
ويعتمد مستخدمي حروب الجيل الخامس على استخدام التقنيات الحديثة، التي تتراوح ما بين القوة المسلحة، كالصواريخ المضادة للدروع، والعمليات الانتحارية، ونصب الكمائن، والأعمال الإرهابية، أو القوة غير المسلحة، التي يكون فيها العدو فاعلًا بدون أن يظهر بشكل مباشر، كما تشمل التقنيات الإرهاب الإلكتروني، وتهييج الشعوب، لجعلها لاعبًا أساسيًا يتم تحريكها بحسب أهداف سياسية لدول أخرى.

 

ويرى بعض الخبراء أن من بين التقنيات، استحداث حالة فوضى في مواقع الصراع بين أطراف محلية، تتيح للدول الكبرى التدخل وتوجيهها لمصلحتها. ومن التطبيقات العملية لهذه النظرية ما حدث في العراق عام ٢٠٠٣، وأحد هذه التطبيقات أيضًا كما يرى الخبراء “الربيع العربي”.
ويُعتبر كذلك إغراق المناطق المستهدفة بالمخدرات هو أحد الأسلحة الفعالة لحروب الجيل الخامس.
والغزو الثقافي لبلد ما يعتبر أصعب من الغزو العسكري لنفس البلد، ومثال ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي لم تستطع إخضاع العراق لسيطرتها، إلا بعد القبض على الرئيس العراقي صدام حسين، بطريقة مذلة.

ظهر مصطلح الجيل الخامس من الحروب في الغرب منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وهذا المصطلح لم يتم تداوله في مِصرَ كثيرًا، ولم يبرز بشكل واضح إلا خلال السنوات التي تلت أحداث يناير، في إشارة إلى محاولات عدد من الدول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والدعاية الإعلامية لنشر أخبار كاذبة عن الدولة المصرية، بهدف إسقاطها.

ومن مظاهر الجيل الرابع والخامس للحروب، سَعْي الأفراد والمجموعات غير الحكومية للوصول إلى المعرفة المتطورة والتكنولوجيا الحديثة، واستخدامها كوسائل هجومية في معارك غير متماثلة لتحقيق المصالح الفردية والجماعية، وذلك من خلال القدرة على تنفيذ الأعمال التخريبية من خلال الإنترنت، والوسائط الإلكترونية المختلفة، فيما بات معروفًا بالحرب الرقمية.

وحروب الجيل الرابع والخامس، هي الصراع الذي يتميز بعدم المركزية بين عناصر الدول المتحاربة، ويتطابق الطرح السابق مع ما حدث في العراق وليبيا وسوريا وغيرها من الدول العربية، التي لم تغامر القوات الدولية بقصفها، قبل إبراز مدى خطورة الوضع بداخلها على الدول المحيطة والمدنيين، ففي حالة العراق تم الترويج لوجود أسلحة دمار شامل لتمهيد الغزو الأمريكي عليها.

بعد معرفة خطورة وأبعاد هذا النوع من الحروب كان من المنطقى أن تعمل الدولة المصرية على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات يستهدف تغليط عقوبة استخدام حروب الجيل الرابع والخامس ضد مؤسسات الدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى