fbpx
سلايدرشؤون عسكريةمعرفة

مؤسس المجموعة (73 مؤرخين) يكتب: درع الجمهورية الثانية

أحمد زايد
أحمد زايد

مرت القوات المسلحة المصرية، خلال السنوات الست والستين الماضية، بفترات “تقلُّب الأقطاب”، وتحديدًا منذ الإعلان عن صفقة الأسلحة التشيكية ( سوفيتية الأصل ) في العام 1955.

ولاعتبارات سياسية متغيرة دائمًا، ترددت مصر  بين الشرق، والغرب عسكريًّا.. فدخلت في العام 1955 نادي الكتلة الشرقية تسليحيًّا، وظلت عضوًا بارزًا في هذا النادي، حتى العام 1979، حين بدأ تغيُّر الأقطاب، بعد اتفاقية السلام، ويمكن إيجاز هذا التغيُّر سريعًا، عبر السنوات الخمس والأربعين الماضية.. في السطور التالية.

ففي العام 1975، بدأ التحول من التسليح الشرقي الي التسليح الغربي، وقد تأصل، وتأكد هذا التحوُّل، مع إبرام اتفاقية السلام بين مصر، والولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، في العام 1979، التي تضمنت – لضمان تطبيقها – منحة عسكرية إجبارية من أمريكا، لمصر، بقيمة 1.5 مليار دولار سنويًّا.

وفي العام 1982، أعلن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن تنوع مصادر السلاح، مع صفقة طائرات الميراج 2000 الفرنسية، وهو ما لم يكن صحيحًا بالمرة ، لأن العالم كله كان يعرف أن مصر لم تنوِّع مصادر السلاح، بالشكل المعلن عنه، وإنما كانت داخل العباءة الأمريكية.. تسليحًا، وتدريبًا، منذ العام 1979، وحتي العام2011
، إذ ظلت 95 % من مشتريات السلاح المصري من أمريكا فقط، جزء منها من المعونة العسكرية، والجزء الآخر نقدي.

وقد ترتب على هذا الاحتكار الأمريكي في تسليح مصر، والاعتماد عليها كمورد أوحد للسلاح، أن عانت قواتنا المسلحة كثيرًا.
فعلي سبيل المثال، لا الحصر، تضررت القوات الجوية المصرية ضررًا بالغًا، بسبب منع تسليحها  بطائرات إف 16، فضلًا عن صواريخ أمرام جو – جو ذات مدى 70 كيلو مترًا، التي تم تزويد إسرائيل، والإمارات، والسعودية بها، منذ عقدين من الزمن.

كذلك عانت قواتنا الجويَّة من قرار الولايات المتحدة الأمريكية، بحظر إنشاء مخزن في مصر لقطع غيار طائراتها، مع وعد بتوريد القطع المطلوبة في الوقت المناسب، ما يعني أن القرار العسكري المصري، كان يخضع لعوامل خارجية (أمريكية) تؤثر عليه.

أيضًا.. فقد شملت قائمة الممنوعات العسكرية عن قواتنا الجويَّة، طائرات تزود بالوقود جوًّا، وهي طائرات السيطرة الجوية إف 15، التي طلبتها مصر، وتم رفضها، بالإضافة إلى صواريخ جو جو حديثة، وقنابل ذكية من فئات معينة، وقنابل ضد التحصينات، وطائرات بدون طيار، وطائرات أواكس للقيادة، والسيطرة، والإنذار الجوي، وليس الإنذار المبكر فقط.

والأمثلة عديدة، ومتنوعة، في مختلف أفرع القوات المسلحة، والتي عانت، هي الأخرى، طوال تلك الفترة، استمرار تلك القيود، المُبررَّة، دائمًا، بضمان أمريكا تفوق إسرائيل علي كل العرب متحدين..!

درع الجمهورية الثانية
ومع تولي الفريق عبد الفتاح السيسي منصب وزير الدفاع في أغسطس من العام 2012، بدأت نقلة جديدة في قدرات قواتنا المسلحة، بعد ثلاثة عقود من الركود النسبي، وظهر، سريعًا، تطورٌ، غير معلن.. تارة، وبشكل معلن.. تارة أخري!

بدأت النقلة، بشكل هادئ، بتغيير الزي الرسمي لجنود، وضباط القوات المسلحة، من المموَّه القديم، الذي ظل أكثر من 20 عامًا، إلى ملابس، وأفرولات، وأحذية، مواكبة لجيوش العالم، في تلك الفترة.

واعتبرها خبراء العسكرية في العالم ، وخاصة ممن يتابعون الشأن المصري، نقلة معنوية، أكثر منها مادية للجيش، حيث أضفت على الجنود، والضباط مظهرًا أكثر رقيًّا.

وتواكبت، مع تطوير الزي العسكري الرسمي لقواتنا المسلحة، عمليات تفتيش حرب لفرق الجيش، وهي إجراءات تعني استعادة الفرق، وخاصة المدرعة، كفاءتها القتالية، واستعدادها للقتال، طبقا للوائح، وقواعد التفتيش بالجيش المصري، وذلك بعد فترة عدم الاستقرار، التي استدعت وجودها بالشارع المصري، والقيام بمهام الشرطة، والحماية المدنية للشعب، التي، بلا شك، قد أثرت علي القدرات القتالية للفرق.

ومن العام 2014، وحتى العام 2021، ظهرت الفترة المُعلنة من إعادة بناء قدرات القوات المسلحة، بشكل كبير، وسريع، مشابه، في السرعة، والحجم، إعادة بناء القوات المسلحة، بعد هزيمة يونيو 1967، إذ بدأت صحف، ومواقع العالم العسكرية تتحدث عن صفقات سلاح مصرية، مع مختلف دول العالم، عدا أمريكا،
وكان ذلك رد فعل طبيعيًّا، لخمسة وثلاثين عامًا من الاحتكار، والتحكم الأمريكي، في قدرات السلاح المصري.

وكان تطوير القوات الجوية هو الأبرز، إذ اتخذ منحى حادًا، غير متوقع، فدخلت طائرات الرافال، والميج 29 المطوَّرة الخدمة فيها، ومازالت شائعة صفقة السوخوي 35 حديث العالم، وحتي الآن، لم تؤكدها، أو تنفيها مصر رسميًّا.

ولم تكتفِ القيادة السياسية بذلك، بل استعاضت لقواتنا الجويَّة عن صواريخ جو – جو أمرام الأمريكية الممنوعة علي مصر، بصواريخ أر 73 ، وأر 77 الروسية، والميكا، والميتيور الفرنسية الأطول مدي من الأمرام، وأكثر حداثة.

كما ظهرت الهليكوبتر الهجومية (كاموف) في السماء المصرية جنبًا إلى جنب الأباتشي الأمريكية، بعد تباطؤ الجانب الأمريكي في الاستجابة لطلب مصر بتزويدها برادادر (لونج بو) الموجود في إسرائيل، منذ عقد، وأكثر من الزمن..!

أما البحرية المصرية فكانت علي موعد مع تطوير غير مسبوق في تاريخها، فبعد أن باعتنا أمريكا فرقاطات (بيري) المتهالكة في أسطولها، وتباطأت في تطويرها، من أموال المعونة العسكرية، وبالنهاية، حصلنا علي قطع بديلة، متقادمة العمر، حوَّلت مصر، سريعًا، وجهتها إلى أوروبا، وبدأنا نشهد وصول فرقاطات فرنسية، وإيطالية، من طراز فريم، وفريم بيرجاميني، الأكثر تطورًا في العالم، والمكافئة لأقوي فرقاطات العالم.

وفي الوقت نفسه، لم يكن أحدٌ يحلم بحصول مصر علي حاملة مروحيات، لكننا حصلنا علي حاملتين، وأصبح لدينا أسطولان، الأول للبحر الاحمر، والآخر للبحر المتوسط.

وعلى التوازي، أيضًا، مع كل هذا التطوير، تحوَّل أسطول الغواصات إلى مستوى آخر غير مسبوق، بصفقة الغواصات الألمانية فئة 209
ولم تكن قوات الدفاع الجوي بمعزل، هي الأخرى، عن خطة التطوير المعلنة، فتعاقدت على  بطاريات صواريخ بوك، وبطاريات تور إم، التي توقفت مفاوضات التعاقد عليها في فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك.

كما حصلت قوات الدفاع الجوي من روسيا علي بطاريات صواريخ انتاي S 2500، المضادة للصواريخ الجوالة، وهي وحدة دفاع جوي بعيدة المدي،وقد أعلنت روسيا عن الصفقة.

ولم يتوقف التطوير الشامل للقوات المسلحة المصرية عند هذا الحد، بل أعلنت روسيا، كذلك، بعد زيارة الرئيس عاصمتها موسكو، أن مصر مهتمه بدبابات تي 90 الروسية المطوَّرة.

وضمن عمليات الحرب علي الإرهاب، ظهرت في الجيش المصري، طائرات بدون طيار، من الصين، وبيلا روسيا، فضلًا عن العديد من الصفقات الأخرى، التي لم يتم الإعلان عنها رسميًّا في مصر ، ولم نتحدث عنها.
وبعد كل هذا السرد.. السؤال الذي يفرض نفسه : هل كل ذلك التطوير، المعلن في الصحف، والمواقع الإخبارية العالمية، لقدرات القوات المسلحة المصرية، وليد المصادفة، أم الرغبة في الانفاق المبالغ فيه؟!

الاجابة : بالطبع لا.. لأنه، منذ العام2012، بدأ التحرك فعليًّا، وجديًّا، في تنفيذ “خطة إنقاذ” لقدرات، وإمكانات القوات المسلحة المصرية، من الركود، والتخلف التكنولوجي، الذي تركها عليه الرئيس مبارك.

وبعد أن كان الرئيس السادات يصرخ في وجه السوفيت، طالبًا مساعدتهم في تطوير الجيش المصري، لأجل تمكينه من خوض حرب أكتوبر، مبديًا غضبه من أنه خلف إسرائيل، بعشر خطوات، جاء الرئيس مبارك، ليترك القوات المسلحة المصرية، بأكثر من 20 خطوة، خلف إسرائيل، تكنولوجيًّا، وتقنيًّا، معتمدًا علي ثقته في أمريكا، وأنها ضامن لعدم حدوث حرب مستقبلية مع إسرائيل، التي كانت، في الوقت ذاته، تتطور يوميًّا، وتستعد كل ساعة، وكل دقيقة، تحسبًا لنشوب أي حرب..!

الجمهورية أم الجيش؟
والآن، بديهيًّا.. إذا كنت تنوي بناء جمهورية جديدة، متقدمة، وتستثمر ثروات الوطن، وتسعي للبناء، والتعمير، فلابد من قوة تحمي تلك النهضة الكبيرة، خاصة في ظل تربص جيرانك بك.. ينتظرون منك أن تغفو، ولو قليلًا، لينقضوا عليك، وعلي ثروات بلدك..!

ولاحظ معي – عزيزي القارئ- أنه لو لم يكن العالم متأكدًا من أنك قويٌّ، وتمتلك قدرات ردع متطورة، ما كان لجملة (سرت الجفرة خط أحمر) أي تأثير علي محيط الأمن القومي المصري في ليبيا..!

وكذلك.. لو لم يكن العالم متأكدًا، تمام التأكد، من قدرتك علي استخدام أحدث الأسلحة، التي اقتنيتها، لكانت تركيا قد مضت قُدمًا في ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية مع حكومة السرَّاج في ليبيا، دون النظر لموقف مصر..!
المحصلة.. أن ما شهده الجيش المصري من “تنامي قدرات”، أبهر العدو، قبل الصديق، حتى أن مركز حيفا للدراسات العسكرية، في إسرائيل، تحدث عنه، مرارًا وتكرارًا، في جلسات مُعلنة وسرِّية.

إن هذا النمو، الذي لم تشهده مصر، أبدًا، علي مر تاريخها، في سرعته، وتوقيته المفاجئ، يدفع عدوها، مهما كان، لأن يسأل نفسه، في ذهول : كيف لدولة نحاول إنهاكها بالإرهاب في سيناء، وفي المدن، وفي الاتجاهات الشرقية، والشمالية، والغربية، أن تستطيع تطوير قدراتها، أثناء القتال،  في حرب عصابات صعبة، ومُنهكة..؟!

إذن.. فبناء قوات مسلحة مُتقدمة، ومُدربة، وقادرة، هو حجر الأساس لإقامة، وتشييد (الجمهورية الثانية) ، وهو، أيضًا، الحائط الذي يحمي حدودنا، وثرواتنا، ويجعل عدوك يفكر، بدل المرة، آلاف المرات، قبل الإقدام على أي عمل عدائي، أو إجراء انتقامي ضدك.

لذا.. فقد أصبح جيشنا الباسل، بعد كل هذا التطوير المتسارع الشامل، جاهزًا، في وقت مبكر للغاية، لبناء، وحماية الجمهورية الثانية، وحتي قبل الإعلان عنها كفكرة، بعد أن اختصر عشرات السنوات من التطوير، في بضعة أشهر فقط، ليدهش أعداءه، قبل أصدقائه..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى