تقارير

ماذا يحدث في ليبيا.. ومن هو عبد الغني الككلي الشهير ب” غنيوة”؟

إعداد: رحمه حمدى

أصبح عبد الغني الككلي ركيزةً أساسيةً في هيكل الأمن الحكومي الليبي، حيث رسّخ نفوذه بشكل متدرج عبر السنوات. وبالتوازي مع ذلك، نجح في بناء شبكة أعمال متشعبة وممتدة في العاصمة طرابلس، معبراً عن طموح واضح لتعزيز وجوده في القطاع النفطي المربح.وقد تحوّل الككلي إلى لاعب مركزي في المشهد الطرابلسي رغم أصوله الشرقية، إذ وُلد في مدينة “ككله” في الجبل الغربي، وهو من سكان طرابلس منطقة بو سليم. بدأ مسيرته العملية في المخبز العائلي قبل اندلاع أحداث 2011، لكنه انخرط لاحقاً في الثورة المسلحة التي أطاحت بنظام القذافي.

أسس خلال تلك الفترة تشكيلاً مسلحاً خاصاً به في حي أبو سليم الجنوبي، الذي ظل معقله الرئيسي حتى لحظة اغتياله.وبمرور الوقت، تحوّل فريقه المسلح الذي يضم قرابة 2000 عنصر إلى واحدة من أكثر الميليشيات هيبةً في البلاد، بينما ارتقى الككلي نفسه ليصبح عموداً فقرياً في أجهزة الأمن الرسمية بطرابلس، بالإضافة إلى مكانته كرجل أعمال مؤثر. وتشير تقارير دولية إلى أن نفوذه وصل لدرجة جعلت المراقبين يتوقعون استمرار موقعه المؤسسي حتى في حال تغيير حليفه رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة.

وفي إطار التأسيس الرسمي، خضعت ميليشيا “غنيوة” التابعة للككلي عام 2016 لإشراف وزارة الداخلية بقرار من رئيس حكومة الوفاق الوطني آنذاك فايز السراج (2016-2021). ثم حقق الككلي قفزة نوعية في يناير 2021 بتوليه قيادة “جهاز دعم الاستقرار” الذي ضمّ تشكيله المسلح، معززاً قوته عبر تعيين حلفاء في مؤسسات حيوية مثل الدفاع والداخلية والمخابرات.

وكان من أبرز نتائج هذه السياسة تعيين قائد غنيوة لطفي الحراري رئيساً لجهاز الأمن الداخلي في سبتمبر 2020.

عقب رحيل السراج، نسج الككلي تحالفاً استراتيجياً مع الدبيبة يقوم على تبادل المصالح: مناصب سيادية مقابل الحماية الأمنية. وقد مكّنه هذا التحالف من توسيع دائرة نفوذه عبر تعيين حليفه المقرب أسامة طليش (المعروف بـ”أسامة طليش”) على رأس هيئة أمن المرافق الحكومية التي تشرف على عقود أمنية حساسة وتحويلات الأموال بين المصارف. كما سيطر مساعد آخر هو محمد الخوجة منذ ديسمبر 2022 على مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية وهي جهة تدرّ إيرادات كبيرة بسبب احتجاز المهاجرين.

وشهدت الأشهر الأخيرة توتراً في هذه العلاقة بسبب مطالب الككلي المتزايدة بمناصب إضافية، رغم استمرار صلته الوثيقة بمحيط الدبيبة، كما يتجلى في زيارته الأخيرة لمعاون رئيس الوزراء عادل جمعة بالمستشفى الإيطالي برفقة شخصيات رسمية وعائلة الدبيبة.

وفي الجانب الاقتصادي، استثمر الككلي -إلى جانب التمويل الحكومي لأجهزة الأمن- في شبكة عقود واعتمادات مصرفية تتيح له الوصول للعملة الصعبة. واتخذ من نادي الأهلي الرياضي بأبو سليم (الذي يديره طليش منذ يونيو 2023) منصةً لتعزيز شعبيته وضماناً لاعتمادات المصرف المركزي. كما نشط في القطاع الخاص عبر شقيقه فتحي الككلي مدير شركة “شمال أفريقيا للتنمية والاستثمار” التي حصلت على عقود كهرباء بفضل علاقاتها مع رئيس الشركة العامة للكهرباء محمد المشاي (حسب تقرير أممي ديسمبر 2023).وتمثل طموحات الككلي النفطية الفصل الأبرز في مسيرته التجارية، حيث سعت شركته لعقود مع المؤسسة الوطنية للنفط، أبرزها صفقة حوض مرزق بقيمة 280 مليون دولار (رفضها مجلس إدارة “أكاكوس”).

ورغم ذلك، تهيأت الشركة للمشاركة في مناقصات استكشاف النفط التي أطلقتها المؤسسة الوطنية في مارس – وهي الأولى منذ 18 عاماً – مما قد يمثل منعطفاً حاسماً في توسع أعماله.هكذا، رسّخ الككلي نفسه كركن أساسي في المنظومة الأمنية الحكومية، بينما كان ينسج بخيطان صبر شبكة أعمال مترامية الأطراف في العاصمة، عاقداً العزم على اختراق القطاع النفطي الذي يعدّ العصب الاقتصادي لليبيا.مقتل عبد الغني الككلي أحد أبرز قادة الميليشيات وأقطاب المشهد الأمني والاقتصادي في غرب ليبيا سيحمل تداعيات كبيرة على عدة مستويات، خاصة في طرابلس ومنطقتي أبو سليم وتاجوراء.

ومن أبرز النتائج المحتملة، يتوقع المحللون أن مقتل الككلي سيؤثر في أكثر من محور: فراغ أمني وصراعات داخلية بين الميليشيات فقد كان قائد “جهاز دعم الاستقرار” وأحد أعمدة الأمن في طرابلس، وسيؤدي غيابه إلى صراع على خلافته بين قادة “فصيل غنيوة” (ميليشيا أبو سليم) والمجموعات المتحالفة معه.ورغم إعلان وزارة الدفاع سيطرتها فيتوقع المحللون أن العاصمة قد تشهد موجة من الاغتيالات والتصفيات بين الميليشيات المتنافسة، خاصة أن الككلي كان يتحكم في مفاصل حيوية مثل أمن المرافق الحكومية ومراكز احتجاز المهاجرين.وقد تحاول مجموعات أخرى مثل “قوات الردع” أو “فصائل تاجوراء” توسيع نفوذها على حساب مناطق نفوذ الككلي. – قد يفقد الدبيبة جزءًا من سيطرته الأمنية في طرابلس، مما يجعله أكثر عرضة لضغوط الميليشيات الأخرى أو حتى محاولات الإطاحة به. وقد تتصاعد المنافسة بين الكتل السياسية في غرب ليبيا للسيطرة على شبكة نفوذ الككلي الأمنية والاقتصادية. – تداعيات اقتصادية، فمن يسيطر على إمبراطورية الككلي سيتنافس أقاربه (مثل شقيقه فتحي الككلي) وحلفاؤه (مثل أسامة طليش) للسيطرة على هذه الأصول، مما قد يؤدي إلى نزاعات داخلية أو حتى انهيار بعض المشاريع. وقد تفقد بعض المؤسسات التابعة له (مثل نادي الأهلي) دعمها المالي، أو تدخل في صراعات مع أطراف جديدة تسعى للسيطرة عليها. -احتمالية تدخلات خارجية، بعض الدول الداعمة لأطراف في ليبيا (مثل تركيا أو إيطاليا) قد تحاول استغلال الفراغ لتعزيز نفوذ حلفائها. فإذا أدى مقتله إلى انهيار الأمن في طرابلس، قد تتدخل قوى دولية أو إقليمية لـ”احتواء” الفوضى، خاصة مع وجود مصالح نفطية وأمنية في المنطقة.وإذا تمت تصفية منفذي الاغتيال بسرعة، قد تشهد الفترة القادمة هدوءًا مؤقتًا قبل انفجار الصراع على الميراث. ولكن إذا انتشرت عمليات الثأر بين الميليشيات، فقد تدخل العاصمة في موجة عنف جديدة تشبه ما حدث بعد اغتيال محمد إشنو (قائد “قوات النخبة”) عام 2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى