fbpx
مقالات

تطوير التعليم.. بين مطرقة الدروس الخصوصية وسِندان الثقافة الشعبية  

كتب: جرجس خليل

يبدأ العام الدراسي، كالعادة، بتزاحم وصراع التلاميذ، بمساعدة ومباركة وتدخل أولياء الأمور، علي المقاعد الأولى، ليدخل المدير، بمقياس ومسطرة طويلة، ويسجل الأطول منهم بالملليمتر، ليرتبهم، فيجلس الأقصر في الأمام، و الأطول في الخلف.

يري البعض أن تصرُّفه حسنًا وعبقريًّا، لكن المُدقِّق يكتشف غير ذلك تمامًا، وهذه النقطة حاسمة لديّ في توصيل ما أريد أن أقوله للقارئ الكريم، وأيضًا المسؤول صاحب القرار، فالمفروض أن هذا المدير، أو المُشرف، علي عِلم ومعرفة باستراتيجيات التعلُّم، وأن المطلوب أن يجلس التلاميذ في الفصل كمجموعات للتعاون، ويتشاركون مع بعضهم البعض، في العمل والتكليفات وتبادل القيادة والأدوار، بل إنه من المفروض أيضًا أن يتبادل الطلاب أماكنهم أسبوعيًّا، مكانًا مختلفًا في كل مرة ، ومجموعة مختلفة، ليتعارفوا ويتعاونوا جميعًا.

بينما نرى، على الجانب الآخر، في التعليم الموازي “مراكز الدروس الخصوصية “، سباقًا آخر، وتزاحمًا علي حجز المجموعات والمواد قبل بداية العام، لدى أخطبوط الكيمياء، وصاروخ الفيزياء، وقنبلة الأحياء!

المُشترك في الحالتين هو الرغبة في الاستحواذ علي المُعلم، والتقرُّب إليه بالجلوس في المقاعد الأولى، أو في المجموعات والمراكز التي تُدْفع لها المبالغ الطائلة.

تلك الرغبة في الأساس قديمة، تتصور أن استقاء وتلقي العلم بنموذج الكتاتيب، والحفظ والتلقين، بعيدًا عما طرأ على العصر من تغيُّر وثورة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، جعلت الحصول علي المعلومة أسهل وأبسط الطرق والوسائل الممكنة، فلسنا في حاجة لتبادل وحفظ معلومات ومعارف معينة، بقدر حاجتنا لاكتساب القيم والمهارات وملكة النقد والتفكير والإبداع، مع القابلية للتطوير والتغيُّر واكتساب مهارات وخبرات باستمرار.

الصورة في الحالتين هي التكدس والتزاحم، لكننا نجد أن لكلٍّ من المدرسة ومراكز الدروس الخصوصية أسبابًا، تختلف فيها الأولى  عن الأخرى.

تتفوق مراكز الدروس الخصوصية بميزة أن الطالب، ومعه ولي أمره، هو من يطلب هذه الخدمة بنفسه، ويُعد لها نفسه جيدًا، ويدفع مقابلها، وينجزها في وقت محدد، قصير نوعًا ما عن الوقت الذي يقضيه بالمدرسة، على الرغم من المهازل والكوارث التي تحدث بتلك المراكز، من تزاحم وأعداد كبيرة كارثية، وأساليب متدنية في الوصول لحفظ المعلومة، كالغناء والمهرجانات، وأحيانًا قد تصل لاستخدام الإيحاءات الجنسية!

لكن تبقي نقطة قوة المدرسة التي لا ينافسها فيها كائن من كان، حتي المنصات التعليمية، والقنوات الفضائية التي تطلقها الوزارة نفسها، أنها وسائل تساعد الطالب، والمعلم، لكنها في الوقت نفسه ليست بديلًا عن المُعلم الذي استثمرت فيه الوزارة كثيرًا، منذ إطلاق كادر المعلمين في العام ٢٠٠٧، إذ أعدّتهم جيدًا وباقتدار، ودربتهم علي استراتيجيات التعلُّم الحديثة والتعليم النشط ودمج التكنولوجيا بالتعليم.

فمن السهل وضع الاستراتيجيات وتغيير المناهج، لكن من الصعب تغيير أنماط سلوكية مهنية وفكرية وإدارية، وإثراء التحديث والتطوير الذاتي والمهني، والأصعب هو تغيير الثقافة الشعبية عن التعليم، من وسيلة للحصول علي الشهادة والمؤهل إلى التعليم من أجل التعلم وتطوير الذات واكتساب المهارات.

وتمتلك وزارة التربية والتعليم، بقيادة الدكتور طارق شوقي، خطة طموحًا، ورؤية عظيمة لتطوير التعليم، ولكن لكي نكون منصفين فإن هذه الجهود تفتقر إلى التكاتف والتلاحم بين عناصر عملية التعليم الفعالة، وهي الأسرة والمدرسة والمجتمع والدولة.

أما المشكلة الأكبر التي أرى أنها عائق كبير في تطوير التعليم، فهي أن الوزارة، بإداراتها ومديرياتها والهيئات التابعة لها، لم تصل إلى مستوي العمل المؤسسي الموحد في الرؤية والجهود، من أجل إنجاح منظومة التعليم الجديدة، فلم يتواكب، حتي الآن، مع تطوير نظام التعليم الذي وصل لمحطة الصف الرابع الإبتدائي أي تحسن في القدرة المؤسسية للمدرسة، وخاصة المادية منها.

ومازال عجز المدرسين يُحطم جهدًا عظيمًا من تطوير التعليم، بل إننا حينما نتحدث عن التطوير في المرحلة الإبتدائية يكون عجز معلمي الأنشطة المتخصصين والمعامل أسوأ بكثير من عجز معلمي المواد الأساسية، أو معلمي الفصول، فالرسم، والموسيقي بالآلاتها المتعددة، والمكتبة ومعامل المعرفة والعلوم والتكنولوجيا والحاسب، وحجرات الأنشطة، ومعامل اللغات، وحصص الألعاب والرياضة هي القادر على أن تعيد لأطفالنا حب التعلم والمدرسة، والرغبة في البقاء بها، بغض النظر عن عددهم في الفصل الواحد، وإن كانت كثافة الفصول مشكلة تستلزم الحل أيضًا، فكل طالب سوف يختار النشاط الذي ينتمي له ويحبه، وبالتالي سيحب المدرسة.

إن توفير البيئة والأنشطة الداعمة للتعلم في مدارسنا لا يجرؤ ولايستطيع أي مركز دروس خصوصية، أو مدرس خصوصي، أن ينافس المدرسة فيه، أو يجاريها.

في النهاية، أستطيع أن أقول إننا نمتلك كل عناصر النجاح، لكن ينقُصنا التكاتف وتوحيد الجهود من أجل مستقبل أولادنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى