fbpx
أخبار العالمأخبار محليةتقاريرسلايدر

إردوغان يُفشل علاقة بلاده بالهند

كتبت: نهال مجدي
تدقيق لُغوي: إسلام ثروت
زمن القراءة: ٥ دقائق ونصف

أدت دعوات إردوغان المتكررة لتسوية “نزاع كشمير” داخل الأمم المتحدة بالرغم من الموقف الدولي المعلَن بأن المسألة ثنائية، ويجب حلها بين الهند وباكستان، إلى موجة من ردود الفعل المتبادلة بين الهند وتركيا.
بين تركيا والهند علاقات ثنائية منذ قرون، ومع ذلك، هناك تدهور درامي في تلك العلاقة التاريخية وبرغم قوة الرابط التاريخي والحضاري المشترك بينهما، فهما الأن يتبادلان الضربات الدبلوماسية على المسرح العالمي، وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة الآن هو، ما الذي تعاني منه هذه العلاقة التاريخية، وما هو أصل الخلاف؟
تدهور العلاقات بدأ بتدخل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الشؤون الداخلية للهند. وتركزت إنتقادات إردوغان ضد الهند على طريقة تعامل الأخيرة مع سكانها من الأقلية المسلمة، وسيطرة نيو دِلهي على إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان.
ومعروف أن إردوغان لا يتمتع بالكَياسة السياسية، وصرح فى الماضي أن الهند أصبحت دولة تنتشر فيها مذابح للأقلية المسلمة على يد الهندوس.
يضاف إلى ذلك حقيقة أن إردوغان أثار قضية كشمير التي تديرها الهند في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمدة ثلاث سنوات متتالية، بينما كان يعلم جيدًا أن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي والعالم بأسره لا يرغبون للتدخل في أمر يعتقدون أنه شأن داخلي هندي بإمتياز.
لطالما كان وضع المسلمين وقضية كشمير “قضايا حساسة” في السياسة الهندية، وتنظر نيو دِلهي بعين الشك والريبة لمن يتحدث عن هذه القضايا، أو يثير القلق بشأنها، سواء داخل الدولة أو خارجها، بل ويعامل بدرجة معينة من العداء.
وبالتالي أثار إردوغان شكوك الهند بأن تركيا تتبنى هذا الموقف المتحدي لسياساتها بتحريض من باكستان. وما أكد هذه الشكوك إلى حد ما هو العلاقات العسكرية دائمة التطور بين تركيا وباكستان على حساب الهند، وهو ما يثير حفيظة بل وعداء نيو دِلهي تجاه أنقرة.
في الماضي، حاولت نيو دِلهي معالجة غضبها من إستفزازات إردوغان بالوسائل الدبلوماسية. وردًا على تعليقات إردوغان على كشمير خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام ٢٠٢٠، اختارت وزارة الشؤون الخارجية الهندية ردًا دبلوماسيًا ، مؤكدة أن “الملاحظات التركية بشأن كشمير لا تعكس فهمًا للتاريخ، ولا لسلوك الدبلوماسية، فهم يشوهون أحداث الماضي لتقديم نظرة ضيقة الأفق للحاضر “.
انتقادات إردوغان تلك جاءت بعد ١٠ أيام من استدعاء الهند لسفير تركيا لتقديم احتجاج دبلوماسي على تصريحات إردوغان، وحذرت من تبعات ذلك على العلاقات الثنائية، لكن يبدو أن الرئيس التركي لم يكن مدركًا لحجم تصريحاته وتداعياتها.
وعندما حاول إردوغان تدويل “النزاع الداخلي” في الأمم المتحدة في الماضي، جاء رد رئيس الوزراء ناريندرا مودي بعقد اجتماعات مع رئيس قبرص ورئيسي وزراء أرمينيا واليونان على هامش الاجتماع السنوي للمنظمة العالمية. وجديرٌ بالذكر أن هذه الدول لديها نزاعات مختلفة مع تركيا، وغالبًا ما تكون في حاجة إلى لاعبين عالميين مهمين للتحدث نيابة عنها.
وهذه المرة، عندما قرر إردوغان مرة أخرى إثارة القضية ذاتها بخطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA)، صعدت نيو دِلهي من الحرب الكلامية الدبلوماسية لتُذكّر الهند تركيا بأنه على عكس أنقرة، التي غزت واحتلت جزءًا من دولة قبرص ذات السيادة في عام ١٩٧٤، لم تتخذ نيو دِلهي أي إجراءات من هذا القبيل فيما يتعلق بكشمير.
وأعلنت الهند مرارًا وتكرارًا أنها تدافع عن أراضيها السيادية في كشمير ضد غزو باكستان، لتذكير إردوغان بأن تركيا أن وحدة أراضيها ومكانتها الدولية أصبحت على المحك. كما عقد وزير الخارجية الهندي أعلى هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً مع نظيره القبرصي لمناقشة قرار مجلس الأمن الدولي بشأن الجانب التركي من الجزيرة المتنازع عليه -والتي تحتلها تركيا- وإعادة توحيد الجزيرة.
بفضل ضغط إردوغان المستمر على الهند في مختلف المنتديات العالمية، تتخذ نيو دِلهي الآن تجاه أنقرة ما يمكن وصفه بالدبلوماسية العدوانية. وأكدت نيو دِلهي أن “على تركيا أن تتعلم احترام سيادة الدول الأخرى والتفكير في سياساتها بشكل أعمق”. والآن الهند تدعم أعداء تركيا علانية بهدف تقويض مصالح أنقرة في المنطقة.
ولا يقتصر رد نيو دِلهي علي تصريحات إردوغان فقط على ردود مماثلة، ففي عام ٢٠١٩ ، أُلغيت زيارة مقررة لرئيس حكومتها إلى تركيا. جاء ذلك في أعقاب قرار الهند بقطع صادراتها الدفاعية إلى تركيا، والتي تضمنت الأسلحة ذات الاستخدام المزدوج مثل المتفجرات والصواعق. ومنذ ذلك الحين، خفضت الهند وارداتها من تركيا بشكل كبير.
كما دخلت نيو دِلهي في اتفاقية دفاع مع أرمينيا، الخصم التقليدي لتركيا في المنطقة- في صفقة بقيمة ٤٠ مليون دولار، زودت نيو دِلهي يريفان بأربعة رادارات لتحديد مواقع الأسلحة من طراز SWATHI طورتها منظمة البحث والتطوير الدفاعية (DRDO). كما انضمت الهند إلى الأصوات العالمية المعارضة التي تُدين هجمات أنقرة عبر الحدود ضد القوات التي يقودها الأكراد في سوريا.

ما يجب أن نتذكره عند النظر للخلافات التركية الهندية هو أن كلاً من أنقرة ونيو دِلهي تخضعان لسيطرة حكومتين يمينيتين، إحداهما إسلامية والأخرى هندوسية. الكثير من المشادات الكلامية بين الجانبين نابعة من القومية الدينية. إن موقف إردوغان المتشدد من الشؤون الداخلية للهند ناتج عن محاولة تركيا لتأسيس مصداقيتها كإمبراطورية إسلامية حديثة بلا حدود بين الدول الإسلامية.
هذا بينما تدرك الطبقة السياسية والرأي العام في البلدين أن التداعيات في علاقاتهما هي إلى حد كبير نتاج مغامرات إردوغان في السياسة.
فهل يتعقل أردوغان؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى