fbpx
أخبار العالمأخبار محليةسلايدر

الكاوبوي الأمريكي يواجه التنين الصيني في المحيط

كتبت-نهال مجدي

 

لمحة تاريخية

المشهد السياسي العالمي، اليوم، يشبه، إلى حد ما، مشهد ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين غابت الشمس عن الإمبراطورية البريطانية، ليبزغ النجم الأمريكي، الذي تنافس كقوة صاعدة مع الاتحاد السوفيتي لفترة، إلى أن انهار، لتتربع الولايات المتحدة، وحدها، على قمة القوة العسكرية، والإقتصادية.

وأمريكا، اليوم، أصبحت تواجه عددًا من القوي الصاعدة، كروسيا، والهند، ولكن المنافس الأشد، والأقوى، والذي توليه واشنطن، الآن، كل انتباهها، وتركيزها، فى كل خطوة يقوم بها، هو التنين الصيني.

وآخر حلقات التنافس الأمريكي – الصيني، الذي لم يصل بعدُ لحد الصراع، هو الاتفاق العسكري بين الولايات المتحدة، وأستراليا، والمملكة المتحدة، في المحيطين الهندي، والهادي، الذي يعتبره الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو، وبشكل خاص فرنسا، “طعنة في الظهر”، خاصة أنهم حلفاء لواشنطن.

أولويات بايدن

وتبدو تلك الجولة من المواجهة مع الصين، على رأس أولويات الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يخط، ببرود شديد، مساره، في هذا الإطار، حتى لو أسفر عن أضرار جانبية مع بعض حلفاء الولايات المتحدة، وحتى وإن كبَّد باريس خسارة صفقة بمليارات..!

وقطعًا.. لن تقف فرنسا مكتوفة الأيدي أمام هذه “الطعنة”، لذلك أعلنت، اليوم، أنها استدعت سفيريها فى واشنطن، وكانبيرا، للتشاور، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، وفى المقابل أعرب البيت الأبيض عن “أسفه” لاستدعاء باريس سفيرها في الولايات المتحدة، لكنه قال إن واشنطن ستعمل على حل هذا الخلاف الدبلوماسي.

وعلى الرغم من اختلاف السياسات، والرؤى، والتوجه بين بايدن الديمقراطي، وسلفه الجمهوري دونالد ترامب، فإن سياستيهما التقتا، فقط، فى موقفهما من الصين، الذي وصفه وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأنه “التحدي الجيوسياسي الأكبر في القرن الحادي والعشرين”.

وكان بايدن، في بداية ولايته الرئاسية يناير 2021، قد أكد لحلفائه عودة الولايات المتحدة إلى الدبلوماسية الدولية متعددة الأطراف، ساعيًا إلى طي صفحة حقبة دونالد ترامب، التي تميزت، أساسًا، بنهج متفرد، وسيادي.

تحالف القوي

كما اقتربت سياسته باتجاه الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، لبناء جبهة مشتركة مناهضة للصين، عبر الأطلسي، إلا أن الانسحاب من أفغانستان أظهر تحديات كبيرة فى تحقيق هذه السياسة على الأرض، وعلى الرغم من المشاورات التي أجريت حول تلك المسألة، فإن الكثير من الحلفاء الأوروبيين، وعلى رأسهم الألمان، والبريطانيون، لم يخفوا امتعاضهم من سياسة الأمر الواقع، التي فرضتها الولايات المتحدة، وأكدها بايدن، بعد الانسحاب من أفغانستان، قائلًا : “العالم يتغير، ونحن منخرطون في منافسة حيوية مع الصين”.

وحتى على صعيد السياسة الداخلية، يبرر بايدن خططه الهائلة للاستثمار الاقتصادي، بضرورة الوقوف بقوة في وجه الصين.

ويرى مدير الدراسات الآسيوية في مؤسسة “هريتدج” المحافظة، والتر لومان، أن مواجهة “التحدي الصيني” تحتاج إلى كل” الإرادات الطيبة”، وبالتالي يشكل تزويد أستراليا بغواصات، تعمل بالدفع النووي، قادرة على الإفلات بسهولة أكبر من رقابة بكين، تطورًا في غاية الأهمية، يبرر هذا التراجع الطفيف في العلاقة الفرنسية – الأمريكية، يمكن تداركه بسهولة.

وقال لومان : “في نهاية المطاف.. سيتجاوز الفرنسيون هذا الأمر، لكنه، من المهم، الاحتفاظ بدور مستقبلي لفرنسا في استراتيجية الولايات المتحدة بتلك المنطقة “.

وفي المقابل.. حذر الباحث الفرنسي بمعهد “أتلانتيك كاونسل”، بنجامان حداد، من أن إدارة بايدن ستعطي الأولوية “لتحالفات متقلبة وفقًا لمصالحها”، لكنه أعرب عن تخوفه من أن تتراجع أوروبا أكثر فأكثر عن صدارة الاهتمام.

على الجانب الآخر.. هاجمت الصين أستراليا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، واتهمت الثالوث بممارسة “الألعاب الجيوسياسية”، بعد توقيع اتفاقية أمنية جديدة، للسماح لكانبيرا بامتلاك غواصات تعمل بالطاقة النووية.

كما اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، الدول الثلاث، اليوم، بازدواجية المعايير، والتفكير بــ”عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن”.

وزاد من حدة الموقف أن كانبيرا تعتزم أيضًا تزويد قواتها البحرية بصواريخ توماهوك كروز، وتسليح سلاحها الجوي بصواريخ كروز، التي تُطلق من الجو.

وعلى الصعيد الأوروبي، هناك أحدايث حول تشكيل قوة عسكرية موازية للناتو، وقدمت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيجريت كرامب كارنباور، مقترحا لتسريع وتيرة المهام العسكرية تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، مستندة على المادة الـ44 من المعاهدات الأوروبية تسمح باستصدار قرارات مشتركة وتنفيذ مهام أوروبية عبر تشكيل تحالفات تكونها دول أعضاء راغبة في تلك القرارات دون مشاركة كل دول الاتحاد.

الصين تتحدى

ومن الواضح أن الصين لم تعد تترك فرصة تمر، إلا وتستغلها  لإثبات وجودها، وتنافسها مع الولايات المتحدة، في مناطق نفوذها، وعلي سبيل المثال، الاتفاقية الاستراتيجية بين الصين وإيران  التى من شأنها تعزيز قدرات إيران الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، وتساعدها في التصدي للوجود الأمريكي، والتمدد الإسرائيلي، وفي إحداث تغييرات إيجابية في المنطقة، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، المتحالفة مع أمريكا.

حرب باردة جديدة

كما أن هذا التقارب الصيني – الإيراني سيساعد إيران في مواجهة الحصار الاقتصادي، والتقى، والسياسي الأمريكي، المفروض عليها، وسيزيد من قلق إسرائيل، وهو بالطبع، ما سيدوي صداه في واشنطن.

هذا بخلاف الطموح الصيني للعب دور أكبر في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج الغنية بالنفط، ومخططاتها للتوسع عالميًّا، وتنفيذ خططها الاستراتيجية، للوصول إلى أكبر عدد من الموانئ، وتعزيز نفوذيها التجاري، والعسكري.

وعلى الرغم من سخرية بكين، في بعض الأوقات، من فكرة الحرب الباردة الجديدة، فإن هناك محللين يرون أن العالم، بالفعل، يعيش حربًا باردة جديدة، ثلاثية الأطراف ،بين الصين، وروسيا، والولايات المتحدة، وكما كانت  فرنسا هي ضحية الجولة الاخيرة من المواجهة، فستكون أوروبا كلها متضررة فى المواجهات المقبلة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى