شحاتة زكريا يكتب: العالم في قبضة الشاشة.. هل انتصرنا أم انهزمنا؟

لا أحد ينكر أن التكنولوجيا صارت جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا تتسلل إلينا في كل لحظة ، تفتح لنا نوافذ على العالم وتغلق علينا أبواب الدفء الإنساني في الوقت ذاته. في السابق كان التقاء العائلة أمرا مقدسا وكانت الطقوس الرمضانية تمتد عبر الزمن بلا انقطاع، تربط الأجيال بروابط لا تنفصم. أما اليوم فالعالم بين أيدينا بضغطة زر لكنه بات أكثر بعدًا وأقل حميمية.
قبل سنوات كان الإفطار يبدأ بنداء الأذان الذي يعلو من كل بيت يليه صوت الشيخ مصطفى إسماعيل أو عبد الباسط عبد الصمد كأنها سيمفونية روحانية تسبق لقمة الطعام. كان الراديو الترانزستور صديق البيوت لا يفارق أيادي الكبار يحكي لهم أخبار العالم ويأخذهم في رحلة بين قصص ألف ليلة وليلة، حيث كانت زوزو ماضي تفتح بوابة الخيال، فنتجمع حولها في إنصات. كان رمضان زخما بالدفء، بوجوه الأحبة قبل الشاشات بالحكايات قبل الرسائل النصية، وبالخطابات المكتوبة قبل الدردشات الرقمية التي لا روح فيها.
ثم جاء التلفزيون فزاحم الراديو لكنه لم يسلب العائلة اجتماعها بل زاد من تلاحمها إذ كان مسلسل واحد أو اثنان كافيين لجذب الجميع، وفوازير بديعة تمزج الفن بالسحر لتصبح جزءا لا يُنسى من ذاكرة الطفولة. كانت جودة العمل تفوق كثرته، فلم يكن هناك ازدحام بالصورة، بل تناغم في المحتوى، وكانت الأعمال الدرامية تُصنع بيد صناع شغوفين، لا بقوانين سوق متعطشة للإعلانات.
لكن، شيئًا فشيئا تغيرت المعادلة. انفجرت الفضائيات، وتسربت المنصات الرقمية إلى بيوتنا كضيف ثقيل الظل، حتى بات لكل فرد في الأسرة شاشة خاصة به، ومسلسل منفصل ووقت مختلف للمتابعة. لم يعد هناك حديث موحد بعد الإفطار عن حلقة أمس، لأن “أمس” أصبح نسبيا كل فرد له “أمسه” المختلف وفق سرعة تحميله، وأذواقه الشخصية.
والمفارقة أن التكنولوجيا، التي جاءت لتقرّب المسافات، زادتنا عزلة! بات كل فرد في عالمه الافتراضي يتحدث عبر شاشة، يشاهد وحده، يأكل وحده، ويضحك وحده. كان السؤال عن أحوال الأحبة يتم عبر الزيارات والسهرات، واليوم أصبح “تمت قراءة الرسالة” هو المؤشر الوحيد للاطمئنان.
هل نحن سعداء؟ هذا هو السؤال الذي لا يملك أحد إجابته. ربما اختصرت التكنولوجيا المسافات لكنها لم تملأ الفراغ، سهلت التواصل لكنها لم تمنحه الدفء منحتنا عشرات البدائل لكنها سلبتنا متعة الانتظار والشغف.
رمضان ما زال يأتي كل عام، لكنه لم يعد كما كان، فهل المشكلة فيه أم فينا؟



