fbpx
معرفة

اسقاطات سياسة.. “ريش”جوائز متعددة وفقر في الإمكانيات والعناصر رغم الإنتاج الدولي المشترك

كتب: د محمد كمال
جائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان الجونة لفيلم ريش آخر جائزة حصل عليها الفيلم، لكنها لم تكن الأولى، حيث سبق وحصل على جائزة في مهرجان كان، ويمكن أن يحصل على جوائز ف مهرجانات أخرى، مما لفت الانتباه للفيلم الذي احتوى على الكثير من الإسقاطات السياسية والاجتماعية فانسحب بعض الممثلين من عرض الفيلم في مهرجان الجونة ليصبح الفيلم بؤرة صراع بين الكثيرين، صراع تجاوز الفيلم ذاته ليصبح صراع حول مكونات أيديولوجية متعددة ومتباينة بسبب ما أثاره الفيلم، الذي تبدأ قصته بصرخات شخص ثم يظهر على الشاشة شخص يحترق في أحد المصانع حتى يتفحم دون ظهور أي شخصية أخرى، ولا نعرف من هو أو لماذا أحرق نفسه، وربما كان ذلك تلميحًا لواقعة بوعزيزي في تونس.

ثم تدور أحداث الفيلم لنتعرف على الأسرة التي تتكون من زوج عامل في بعثة لمكان مجهول حيث كل مواطن يحصل على بقرة صغيرة ليشرب منها اللبن ساخنا، يحتفظ الزوج بأمواله البسيطة في صندوق صغير صدئ، وزوجة ثلاثة أطفال يبث فيهما الأب الأحلام عما سيعيش أولاده فيه حين يصبح غنيًا، تعيش الأسرة في شقة تدخلها أتربة المصنع بشكل مستمر، وأثاث صدئ وقذارة تعشش في كل ركن فيها حيث الحمام والمطبخ لم تصل إليهما يد النظافة لعقود كما يبدو من الصورة. ورغم عدم قدرة الأسرة على سداد القسط الشهري المستحق على الشقة، إلا أن الأب يقيم عيد ميلاد لابنه حيث يشتري كثير من الهدايا ونافورة كهربائية لتزيين الشقة القذرة دون الاهتمام بأن تكون الشقة نظيفة مما يدل على خلل في الأوليات لدى رب الأسرة المسئول عنها، يدعو الزوج الأهل والأصدقاء لعيد الميلاد، حيث يحضر ساحر للترفيه عن الموجودين وتكون إحدى الفقرات دخول الأب في صندوق كبير حيث يحوله الساحر إلى دجاجة، ويفشل في إعادته مرة أخرى رجلاً كما كان. وإحضار ساحر في أعياد الميلاد ربما شاهدنها في السينما الأمريكية أو الأفلام المصرية التي تتناول الطبقة العليا من المجتمع، لكن لم نشاهده في الحقيقة أو الدراما في أسرة شديدة الفقرة كما في ريش. لتستمر أحداث الفيلم ما بين سعي المرأة بين السحرة لإعادة زوجها مرة أخرى، وبين المحاولات المستمرة لتأخير أو سداد الأقساط الشهرية المستحقة على الشقة وينتهي الأمر بقيام الموظفين القائمين بالتحصيل بدخول الشقة للحصول على كل ما تطاله أيديهم والهرب به في مشهد أقرب للصوص وليس موظفين ينفذون حجزا على منقولات. على الجانب الآخر تسعى الزوجة للعمل لسد احتياجات أسرتها فتعمل خادمة لكن يقبض عليها لقيامها بالسرقة، وتحاول العمل بالمصنع الذي كان يعمل به زوجها لكن يتم رفض طلبها لأن القوانين كما يقول الموظف تمنع عمل النساء، لكن في الوقت ذاته يطلب منها أن يعمل ابنها الذي لم يتجاوز السبع سنوات بالعمل مكان والده لسداد الأقساط المتأخرة، وتظهر شخصية صديق الزوج الذي يساعدها في رحلتها للبحث عن الساحر ثم عن عمل جالسًا معها في مقهي يوجد به أصدقائه الذين لا يغادرون المقهى ويقومون بشكل مستمر بلعب البلياردو والرقص، ويحاول صديق الزوج الاعتداء عليها وحين ترفض يقف أمام السكن صارخا مطالبا بأمواله التي سلفها لها. وتقترب الأزمة من الحل حين تذهب الزوجة لعمل محضر بغياب زوجها فيما نتبين أنه قسم شرطة من الحوار، ليحضروا لها زوجها سحابين إياه على الأرض ليخبروها أنهم وجدوه مع مجموعة من المشردين، ويلقونه لها في الخارج حيث تذهب بزوجها إلى المنزل مشلولا لا يتكلم ولا يبدي أي ردود أفعال حتى بعد أن تضربه الزوجة، وحين تفقد الأمل في شفائه تخنقه وتذبح الفرخة التي هيأ لها الساحر أنه تحول إليها، وتتناول الفرخة هي وأولادها لينتهي الفيلم دون أن نعرف كيف انتهى كما لم نعرف كيف بدأ. لتبدأ التساؤلات عن الفيلم. هل كان هناك فيلم بالفعل ؟ هل هناك عمل سينمائي تتوفر فيه شروط العمل السينمائي من سيناريو ذو حبكة درامية وتصوير وتمثيل رغم كثرة القضايا التي يتناولها؟

 

فالفيلم غير محدد الزمان والمكان رغم أنه يفترض أنه يدور في مصر، حيث تدور أحداثه في منطقة صناعية بها مصنع يبدو أنه مصنع أسمنت من كمية الأتربة الضخمة التي تملأ الجو، وشقق سكنية مثل التي كان يعيش بها العمال في الستينات، وفي الوقت ذاته يحمل أبطال الفيلم الموبايل مما يدل على أنه يدور في الفترة ما بعد 2010 حين انتشر الموبايل بين الفئات المختلفة في الشعب المصري. ليستمر الفيلم على مدار ساعتين في رحلة عبثية للزوجة تضرب كل أركان المجتمع المصري، فالرجال في الفيلم ما بين زوج عامل فشار يحكي عما دار في البعثة التي لا نعرف طبيعتها لعامل بهذا المستوى، لا يحسن إدارة شئون أسرته، يتحول لفرخة وكلنا ندرك مدلول الفرخة في الثقافة الشعبية، وساحر نصاب، وصديق متحرش، وأصدقائه المقيمين في المقهي للرقص ولعب البلياردو ولا نعرف أين توجد مثل هذه المقاهي في مصر ونراها فقط في أفلام السينما الأمريكية، وهناك موظفي المصنع الذين يرفضون عمالة المرأة لكن لا مانع لديهم من عاملة الأطفال لسداد ديون أهلهم مع تكرار أن القانون ينص على ذلك. والزوجة التي لا يوجد لديها أي وازع أخلاقي أو ديني يمنعها من السرقة، وتشغيل طفلها انتهاء بقتل زوجها. أما المجتمع ذاته فما بين الشقة التي ليس عنوانًا للفقر بل نموذجًا للقذارة، لصديق الزوج الذي يغازل الزوجة بغناء بصوته الأجش ثم يذهب لقضاء حاجته في الشارع ليعود ليكمل وصلة الغناء، للمصنع الذي تتصف حجرة العاملين به بقذارة مماثلة لقذارة المنزل، لما يفترض أنه مستشفي، وبعده قسم الشرطة وكلها أماكن عنوانها الوحيد القذارة اللامتناهية وليس الفقر.

أما التمثيل فرغم الاستعانة بهواة يمثلون لأول مرة لإضافة صبغة واقعية على الفيلم إلا أن الجميع دونما استثناء لم يمثلوا أدوارهم كما لم يمثلوا حياتهم الطبيعية كما برر القائمين على العمل استخدامهم، فالبطلة تنطق بجمل معدودة طوال الفيلم، لا يوجد لديها أي اختلاف في نبرة الصوت، ولا يوجد لديها أي انفعالات أو لغة جسد أو تعبيرات حركية عن أي موقف، فحين يتحول زوجها إلى فرخة وجهها بارد، وحين تضربه عله يفيق نفس الوجه، وحتى بعد قتله، مرورًا بمحاولة زوج الصديق اغتصابها، وهي مشاهد كانت كفيلة حتى لو صامتة بإطلاق أشد التعبيرات عن طريق الوجه ولغة الجسد وهو ما لم يحدث إطلاقا، ولا يقل سوء عنها بقية الممثلين في الفيلم الذين ضلوا طريقهم إلى السينما.

أما التصوير فقد انتقده بشدة مدير التصوير الكبير سعيد الشيمي حيث وصفه بأنه يفتقد كل العتاصر الفنية، حيث تكوين رؤس مقطوعة بفجاجة فى التصوير..تكوينات ساقطة اسفل الكادر شاذة..ضوء كئيب.

فيلم فقير من كل النواحي حتى إنتاجيا رغم مشاركة شركات من فرنسا واليونان وهولندا بجانب شركة مصرية في الانتاج إلا أنه كان أقل بكثير في كل عناصره من أفلام يخرجها المبدعين من طلبة أكاديميات الفنون في مصر ليثبت الفيلم أن الجوائز لا تمنح للأعمال الفنية لجودتها بل منح لها عادةً لأنها تخدم أهداف صانعيها.

لكن ما نتعجب له قيام وزيرة الثقافة المصرية بتكريم القائمين على الفيلم بعد فوزه بجائزة في مهرجان كان، فهل لم تكن الوزيرة على علم بمدى إساءة الفيلم لمصر الجديدة شعبًا ودولة، فتكون أخطأت، أم كانت على علم فتكون قد ارتكبت خطيئة. سؤال ستجيب عنها الأيام القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى