fbpx
معرفةمقالات

في ذِكرىٰ مذبحة كفر قاسم.. لن ننسىٰ ولن نغفِر

كتبت: د.نيفين أبو حمده
تدقيق لغوي: ياســـــر فتحي
أسقط الكنيست الأسبوع الماضي مشروع قانونٍ قدمه بعض أعضاءٍ مِن القائمة المشتركة، تلتزم بموجبه الحكومة الإسرائيلية بالاعتراف بمسئوليتها الكاملة عن مجزرة “كفر قاسم” عام 1956م، وقد صوَّتَ ضد مشروع القانون 93 عضو كنيست، 12عضوًا لصالحه وتغيَّب الباقون، ومِن بين المؤيدين عضوين فقط من الائتلاف الحكومي، ينتميان لحزب “ميرتس”، وعارضه أحزاب الليكود والصهيونية الدينية واليهود المتشددون دينيًا (الحريديم).
عن المذبحة..
خمسة وستون عامًا خلت منذ نفذت قوات حرس الحدود الإسرائيلية في التاسع والعشرين مِن أكتوبر عام 1956م مجزرة ضد أهالي كفر قاسم، راح ضحيتها 48 قتيلاً، 9 نساء و17 طفلاً وفتى دون سنِّ الثامنة عشرة، وجنينًا في بطن أمه ليصبح عددهم 49 قتيلًا.
كشفت بعض الوثائق أن إخلاء منطقة المثلث الجنوبي من السكان كان ضمن خطة تُعرف باسم (الخُلد – الحيوان القارض)، تُنفذ حال اندلاع حرب مع الأردن بغرض تفريغ القُرىٰ الحدودية مع الضفة الغربية من سكانها، ويبدو أنَّ المذبحة كانت هي الطريقة التي اختارتها إسرائيل لتنفيذ هذه الخطة؛ لأن قرية كُفر قاسم مِن القُرىٰ الفلسطينية الكبيرة في المثلث الجنوبي (داخل مايعرف بالخط الأخضر اليوم)، تبعد حوالي 8 كم شمال شرق مدينة “بتح تكفا”، عمرها أكثر من 300 عام، أقيمت على هضبة “خربة النبى” ضمتها إسرائيل عام 1949م بعد اتفاقية رودس.


تزامنت المذبحة مع اليوم الأول للعدوان الثلاثي على مصر، إذ التحقت وحدة لحرس الحدود بقيادة الرائد “شموئيل ملينكي”، بإحدىٰ كتائب الجيش الإسرائيلي على الحدود مع الأردن. أصدر قائد الكتيبة “يسخار شدمي” تعليماته “لملينكي” بفرض حظر التجول ليلًا في قُرىٰ المثلث وإطلاق النار على المخالفين مباشرة دون توقيفهم وقال له: “قتيل أو عدة قتلىٰ بدلاً مِن تعقيدات الاعتقالات، لا للعواطف ومن يخالف حتى وإنْ كان عائدًا من عمله “الله يرحمه” – قالها بالعربية.
بدأت المذبحة في الخامسة مساءًا، ولم يتوقف إطلاق النار إلا وطالت كل بيت في “كفر قاسم” التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز الألفي نسمة في ذلك الحين.
موقف إسرائيل من المذبحة
بداية حاولت حكومة “بن جوريون” التستر عليها وإخفاء شواهدها، خاصة عن (اليهود)، إلا أنَّ الأخبار تسربت ربما بهدف إرهاب فلسطينيي المثلث وإجبارهم على الرحيل، واضطرت الحكومة إلى إصدار بيان رسمي، ذُكر فيه أنَّ مخالفة البعض بعودتهم مِن عملهم خلال ساعات حظر التجوال، أدىٰ إلى إصابتهم بواسطة قوات حرس الحدود، وأن رئيس الحكومة أمر بفتح تحقيق لتحري الحقائق وتحديد التعويضات للمتضررين تقدر بألف ليرة إسرائيلية لكل عائلة.
نقل أخبار المذبحة عضوا الكنيست “توفيق طوبى ومار فلنر” إلى الصحافي “أوري أفينري” بعد اختراقهم حظر التجوال، وانطلقت حملة إعلامية لفضح الجريمة واستمرت المحاكمة عامين انتهت بسجن “ملينكي” 17 عامًا، وجبرائييل دهان وشالوم عوفر 15 عامًا بتهمة الاشتراك في قتل 43 عربيًا، والسجن 8 أعوام لباقي الجنود لمدة 8 سنوات بتهمة قتل 22 عربيًا.
إلا أن محكمة الاستئناف خففتها مرة، ثم خففها رئيس الأركان مرة، ومرة لرئيس الدولة، ومرة من لجنة إطلاق سراح المسجونين التي خففت الثلث من المدة النهائية للجميع، ليطلق سراح آخر واحد منهم عام 1960م بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف على المذبحة، وأما العقيد “يسخار” صاحب أول أمرٍ في المذبحة: (احصدوهم) كانت عقوبته (التوبيخ) وغرامة قرش إسرائيلي واحد !! وقد صرح لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أنه نفذ أوامر عليا.
إحياء الذكرى..


تشهد “كفر قاسم” وجميع المدن والقرىٰ الفلسطينية داخل إسرائيل فعاليات سنوية إحياءً لذكرى المجزرة، مهرجانات سياسية وفنية تثقيفية، ومسيرات شعبية تبدأ عند النصب التذكاري المقام في مكان حدوثها ويطلق عليه “الفلماية” وتنتهي عند قبور الشهداء، إضافة لزيارة متحف للتعريف بشهداء الواقعة أُنشئ عام 2006م، أتمت اللجنة الشعبية لإحياء الذكرى الـ60 للمجزرة عام 2016م مشروعًا محاكيًا لتوثيقٍ سُمي “بانوراما الشهداء”، وأُطلقت صفحة خاصة على شبكات التواصل الاجتماعي باسم “الذكرى الـ60 لمجزرة كفر قاسم- الصفحة الرسمية”، تخليدًا للشهداء ونشرًا للمعلومات الدقيقة بشأنها المجزرة وتفاصيلها، وأحيت الفنانة الفلسطينية “سامية حلبي” الذكرى عام 2017م بمعرض للرسومات التوثيقية في متحف جامعة “بير زيت” بالضفة الغربية.
إسرائيل تعترف بالمسئولية-ضمنيًا
منذ عام 2007 هناك ضغوط ومساعٍ حثيثة من الأحزاب الفلسطينية داخل الكنيست، لتعترف إسرائيل بمسئوليتها عن المذبحة، انتهت باعتذار الرئيس الإسرائيلي “شمعون بيرتس”عن المجزرة في زيارة لكفر قاسم، وشارك الرئيس رؤوفين ريفلين مراسم الاحتفال بها عام 2014م، واصفًا إياها “بالجريمة النكراء” وأنها فصلٌ استثنائيٌ – أسودٌ في العلاقات بين الفلسطينيين(داخل إسرائيل) واليهود، إلا أنه اعتبر اعتذار سابقه كافيًا، كما اعترف بها الرئيس الحالي “يتسحاق هيرتسوج” باعتبارها خطيئة ما كان لها أن تكون، كما قالت النائب “عايدة توما سليمان” في الكنيست.
خلافات حادة في جلسة عاصفة.
ينص مشروع القانون على أن تعترف الحكومة الإسرائيلية بمسئوليتها عن المذبحة، وإحياء ذكراها واعتبار تاريخها يوم حداد رسمي، وتضمينها المناهج الدراسية، وأن تموّل الدولة جمعية مدنية لإحياء ذكرى ضحاياها..


شهدت جلسة التصويت على تمرير القانون مشادات حادة، و بدا الأمر وكأنها تحولت إلى قضية سياسية، وصدام الحكومة مع المعارضة التي تريد فقط إحراج الائتلاف، اعتلىٰ وزير التعاون الإقليمي “عيساوي فريج” من حزب “ميرتس” منبر الكنيست، وهو أحد سكان كفر قاسم، وأعضاء الكنيست من القائمة المشتركة واتهمهم بالمتاجرة بمشاعر الفلسطينيين وأوجاعهم، بينما اتهمته العضوة عايدة توما سليمان بأن صراخه يعبر عن وجعه الشخصي لإنكار الائتلاف الذى ينتمي إليه آلام أهله من سكان كفر قاسم، وكان أولى به أن يصب غضبه عليهم حين منعوه من الكلام .
اعتبر البعض أن الأحزاب الدينية اتفقت على رد مشروع القانون، لأنه يعتبر أول مشروع قانون تصوت ضده جميع الأحزاب اليهودية سواء كانت تنتمي للمعارضة أم للحكومة.
(أحزاب اليمين: الليكود، و”كاحول لافان، العمل، تحالف “الصهيونية الدينية”،”يمينا”،”تكفا حداشاه”، “يسرائيل بيتنو”، “شاس” “يهدوت هتوراة”،)
أخيرًا..


لم تعترف إسرائيل بمسئوليتها عن مجزرة “كفر قاسم”، رغم المحاكمات وكلمات الاعتذار والتهدئة، ويكفينا من الأدلة على سبق القصد والترصد في تنفيذها؛ المناخ السياسي حولها، بدء العدوان الثلاثي على مصر وهرولة إسرائيل لغزو قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهو اليوم والتوقيت الذي بدأ فيه العدوان الثلاثي على مصر، واندفعت قوات الغزو الإسرائيلية إلى قطاع غزة وسيناء، وهذا يعني أن العلاقة كانت وثيقة بين الحرب والمجزرة والهدف الكامن من وراء ارتكابها.
وشهد الكنيست على عمق الفجوة السياسية في الائتلاف الحكومي التناوبي غير الناضج سياسيًا برئاسة “نفتالي بينت”، وأن مصطلحات مثل “تاريخي”، استخدمها اليهودي قديمًا محاولًا إثبات حق مزعوم، قد تتسبب في فقدانه صوابه إذا ما استُخدمت لإدانته بحق أصيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى