
اعداد: بسنت عماد
لطالما لعبت المرأة المصرية دورًا محوريًا في بناء الوطن عبر مختلف العصور، سواء في ميادين العمل أو ساحات النضال. ومنذ فجر التاريخ، برزت نماذج لنساء مصريات قادتهن الشجاعة والكفاءة لتحمّل المسؤولية في أصعب الظروف.
وفي العصر الحديث، برزت نماذج نسائية جسّدت هذه الروح الوطنية، من بينها ابتسامات محمد عبد الله، التي سُجل اسمها كأول ضابطة في تاريخ القوات المسلحة المصرية، بعدما خاضت تجربة رائدة في مجال التمريض العسكري، ومثّلت نموذجًا يُضاف إلى سجل الشجاعة والريادة للمرأة المصرية.

النشأة والخلفية العائلية:
وُلدت ابتسامات محمد عبد الله عام 1927 بمحافظة بني سويف، لأسرة ذات جذور عسكرية وقيادية؛ فوالدها محمد بك عبد الله كان ضابطًا بالقوات المسلحة، وحاصلًا على رتبة “بكباشي”.
التعليم والبداية العسكرية:
تلقت ابتسامات تعليمها الابتدائي في مدارس فرنسية، لكنها لم تستكمل تعليمها العالي. وفي سن العشرين، قررت الانضمام إلى مجال التمريض، من خلال الهلال الأحمر المصري، بعدما رأت إعلانًا في مجلة “المصور”.

وبعد إنهاء دراستها في الهلال الأحمر، انضمت إلى القوات المسلحة المصرية من خلال تقديم طلب، وقُبلت، وأُجريت لها المقابلة الشخصية بمستشفى كوبري القبة العسكري.
وقد اُختيرت بجانب 20 فتاة من أصل 75 مُتقدمة، بعدما أجرت امتحانات تخللتها تقييمات دقيقة، ومُنحت حينها رتبة ملازم أول.
وكانت أول فتاة تحصل على هذه الرتبة العسكرية، نظرًا للترتيب الأبجدي للأسماء، إذ احتل اسمها المرتبة الأولى في القائمة.

حرب 1948.. الميدان الأول:
برز دور ابتسامات عبد الله خلال حرب فلسطين عام 1948، حيث شاركت ضمن طاقم المستشفى الميداني في قطاع غزة. وكانت مصر قد خاضت هذه الحرب بنحو 20 ألف جندي، وأسفرت عن استشهاد ما يقارب 1000 جندي، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 4000 آخرين.
في ظل هذه الظروف الصعبة، أدّت ابتسامات دورًا إنسانيًا ومهنيًا مهمًا، حيث سخّرت خبرتها في التمريض لتقديم الرعاية الطبية للجنود والضباط المصابين، وواصلت العمل في الميدان بثبات رغم التحديات، مؤكدة التزامها الكامل بواجبها دون تراجع أو تردد.

تكريم ملكي.. ساعة فاروق الذهبية:
نال عطاؤها اعترافًا ملكيًا، إذ كرمها الملك فاروق بمنحها “ساعته الذهبية” خلال حفل إفطار رسمي بالقصر الملكي، إلى جانب وسام الجدارة والاستحقاق، تقديرًا لخدمتها في المستشفى العسكري.
كما شهدت لحظات إنسانية نادرة، حيث قدم الملك للمستشفى “سمكة عجيبة” اصطادها بنفسه، تكفي لإطعام النزلاء بأكملهم.
وتمتعت ابتسامات بعلاقة صداقة قوية مع الرئيس الراحل محمد نجيب، الذي ساعدها في إقناع شقيقها بالموافقة على زواجها.
وعلى الرغم من أنها لم تُرزق بأبناء، إلا أنها اعتبرت تلاميذها ورفاقها بمثابة أسرتها الحقيقية، وظلت على تواصل دائم معهم.

محطات التكريم
بجانب تكريمها من الملك فاروق، كُرّمت أيضًا من وزير الدفاع المصري السابق، المشير محمد حسين طنطاوي عام 2007.
وفي عام 2016، كرّمها المجلس القومي للمرأة في مصر، بإهدائها درع المجلس وشهادة تقدير لجهودها في خدمة الوطن.
ظلت محتفظة بزيها العسكري وساعة الملك حتى رحيلها، رمزًا لرحلة شرف وولاء بدأت مبكرًا ولم تنتهِ إلا برحيلها.

رغم مرور عام على وفاتها في 29 يوليو 2024، لا تزال ابتسامات عبد الله تُجسّد رمزًا للمرأة المصرية في ساحات الشرف والخدمة الوطنية.
كانت أول من فتح الباب أمام تجنيد المرأة في القوات المسلحة، وبقيت في الذاكرة الوطن المؤسسة العسكرية شخصية استثنائية بوجه إنساني صادق.