محمد بشار يكتب: السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل برؤية جديدة على ضوء حريق سنترال رمسيس

في زمن تتسارع فيه وتيرة التطور الصناعي والتكنولوجي تبقى السلامة والصحة المهنية حجر الأساس في بناء بيئة عمل آمنة ومستقرة. فحادثة حريق سنترال رمسيس مؤخرًا لم تكن مجرد أزمة طارئة بل جرس إنذار قوي يؤكد ضرورة إعادة النظر في معايير التأمين والسلامة داخل المنشآت الخدمية والحيوية برؤية جديدة تتجاوز النمط التقليدي نحو التخطيط الاستباقي والوقاية الشاملة.
الواقع يتحدث.
الدروس من سنترال رمسيس
لقد كشفت الحادثة عن وجود فجوات في أنظمة الكشف المبكر ومكافحة الحرائق وضعف في تدريب العاملين على كيفية التعامل مع الكوارث ناهيك عن غياب خطط الإخلاء والطوارئ في بعض المنشآت. وإذا كنا نُقدّر الجهود الكبيرة التي بُذلت في احتواء الحريق فإننا نؤكد أن الوقاية دائمًا أقل تكلفة من العلاج وأن كل بيئة عمل دون منظومة سلامة فعالة هي قنبلة موقوتة.
رؤية جديدة لتأمين بيئة العمل
إن تعزيز السلامة والصحة المهنية اليوم لم يعد ترفًا إداريًا أو بندًا في ملفات التقييم بل هو التزام وطني وأخلاقي تجاه الإنسان والعمل والإنتاج وتتطلب هذه الرؤية الجديدة عدة محاور رئيسية:
اولا:التحول الرقمي في أنظمة الحماية
استخدام أجهزة إنذار ذكية وكاميرات حرارية وأنظمة إطفاء آلية متطورة تُمكِّن من الاكتشاف الفوري لأي خطر قبل تحوّله إلى كارثة.
ثانيا:التدريب المستمر والتوعية الشاملة
يجب تنظيم برامج دورية لتدريب العاملين في جميع القطاعات وتثقيفهم بثقافة السلامة وتزويدهم بخطط الطوارئ والإخلاء.
ثالثا: صياغة تشريعات صارمة
تحتاج بيئة العمل إلى أُطر قانونية حديثة تُلزم أصحاب الأعمال بتطبيق معايير السلامة وتُحدد مسؤوليات كل طرف بوضوح.
رابعا: إعادة تأهيل المنشآت القديمة
كثير من المباني الحكومية والمنشآت الخدمية أُنشئت قبل عقود ولا تتوافق مع معايير السلامة الحالية مما يتطلب خططًا عاجلة لإعادة تأهيلها.
نحو بيئة عمل آمنة ومستدامة
السلامة المهنية ليست مجرد إجراءات ميكانيكية بل ثقافة مؤسسية تبدأ من أعلى الهرم الإداري وتنساب حتى العامل الميداني.
إن حماية الأرواح والممتلكات والاستثمار في بيئة عمل آمنة هو استثمار مباشر في استقرار الدولة وتنمية مواردها.
ولا شك أن الدروس المستخلصة من حادثة سنترال رمسيس يجب أن تكون نقطة انطلاق لتغيير شامل في كيفية إدارتنا للمخاطر داخل مؤسساتنا والانتقال من رد الفعل إلى الفعل الاستباقي ومن العلاج إلى الوقاية ومن البيروقراطية إلى الابتكار.