Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقاريرسلايدرمعرفة

هل كان شامبليون أول من فك رموز حجر رشيد؟

إعداد: بسنت حامد

تحت عنوان ”الأهرامات لم تكن الاستثناء الوحيد”، بدأنا رحلتنا بكشف أسرار معبد الأوزريون لنؤكد أن عبقرية المصري القديم لم تقتصر على الأهرامات وحدها.

ومع انطلاق الحلقة الثانية من هذه السلسلة، نفتح موضوع حجر رشيد؛ ذلك الحجر الذي حرّر صوت الحضارة المصرية من صمتٍ طال قرونًا، وأعاد للتاريخ فصوله المفقودة.

حجر رشيد

في عام 1799، اكتُشف حجر رشيد بالمصادفة في مدينة رشيد بدلتا النيل أثناء قيام جنود الحملة الفرنسية بأعمال حفر وبناء.

الحجر مصنوع من البازلت الأسود، وكان في الأصل جزءًا من لوحة ملكية أكبر كُسرت أثناء النقل؛ أما محتواه، فهو مرسوم ملكي شكر فيه الكهنة الملك بطليموس الخامس على منحهم امتيازات خاصة مقابل دعمهم له خلال فترة صراعات وثورات داخلية.

يحمل حجر رشيد نصًّا موحّدًا كُتب بثلاثة أنظمة كتابة مختلفة، تُجسّد تطوّر اللغة المصرية وتنوّع استخدامها عبر العصور:

الهيروغليفي: استُخدم للنصوص المقدّسة والنقوش الرسمية داخل المعابد والمقابر.

الديموطيقي: شكّل الكتابة اليومية لعامة الشعب والمعاملات الإدارية المحلية.

اليونانية القديمة: الخط الذي استُخدم في شؤون الحكم والإدارة الرسمية.

جمع هذا النقش الثلاثي بين قدسية الهيروغليفية، وبساطة الديموطيقية، وسهولة اليونانية، ليحوّل الحجر إلى مفتاح ذهبي لفهم لغةٍ صمتت قرونًا طويلة.

هذا التعدد اللغوي حوّل الحجر إلى كنز لا يُقدّر بثمن، إذ مكّن العلماء لأول مرة من مقارنة نص معلوم بلغة مفهومة بنصوص الهيروغليفية الغامضة.

هل فك شامبليون رموز حجر رشيد وحده؟

يُنسب فك رموز حجر رشيد عادةً إلى العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، الذي أعلن عام 1822 نجاحه في قراءة الهيروغليفية بعد قرون من الصمت، لكن الحقيقة أن إنجازه اعتمد على جهود علماء سبقوه ومهّدوا له الطريق:

ـ توماس يونج:

فيزيائي ولغوي إنجليزي استطاع قراءة الأسماء الملكية مثل “بطليموس” داخل “الخراطيش” — وهي الأطر البيضاوية التي تحيط بأسماء الملوك — وبيّن لأول مرة أن بعض الرموز الهيروغليفية تحمل أصواتًا وليست رمزية فقط.

ـ سيلفستر دي ساسي:

المستشرق الفرنسي الذي ساعد في تحليل النص الديموطيقي، ووضع فرضيات عن ترتيب الجمل والنحو.

ـ يوهان دافيد:

المستشرق السويدي الذي وضع أول محاولة لأبجدية الديموطيقية وقرأ بعض الأسماء، ما مهّد الطريق لتحليل الرموز.

لماذا نجح شامبليون؟

ما ميّز شامبليون أنه أتقن اللغة القبطية — الامتداد الحي للغة المصرية القديمة — وهو ما جعله يفهم الهيروغليفية من منظور صوتي، وليس فقط رمزي.

ركّز شامبليون على مقارنة النص اليوناني بالنص الهيروغليفي، ونجح في قراءة الأسماء الأجنبية ثم فك رموز الكلمات تدريجيًا.

من مصر إلى المتحف البريطاني

بعد هزيمة الفرنسيين، نقلت بريطانيا الحجر على متن السفينة ”إتش إم إس إيجيبتوس” سنة 1802 إلى لندن، ليُعرض حتى اليوم في المتحف البريطاني كأحد أشهر مقتنياته.

ورغم ظهور ألواح أخرى بثلاث لغات في أماكن مختلفة بمصر، ظل حجر رشيد الأكثر اكتمالًا والأوضح نقشًا، لذا صار الأهم والأشهر.

مفتاح أطلق التاريخ من جديد

لم تكمن أهمية حجر رشيد في فك رموز لغةٍ فحسب، بل في أنه كشف أسرار حضارةٍ كاملة.. أضاء تفاصيل حياة الناس، وأعاد فتح أبواب المعابد، وأزاح الغطاء عن ديانة المصريين القدماء وقوانين حكمهم وفنونهم.

إنّ الآثار المصرية ليست مالًا متروكًا بلا حارس، بل هي إرثٌ حضاريٌّ عظيم لا يحقّ لأحدٍ أن يبني مجده على أنقاضه.

هذه الكنوز جزءٌ من هوية مصر وتاريخها، ويجب أن تعود إلى أرضها. وما يزيد الجرح عمقًا أن علماءً من دولٍ أخرى ما زالوا يكتشفون أسرار هذه الحضارة من بردياتٍ مسروقة، وكأنّ التاريخ يُسرق مرتين: مرةً حين تُنهب آثاره، ومرةً حين يُكشف علمه بعيدًا عن أرضه.

إنّ الحقّ لا يضيع ما دام وراءه مطالبون به.. وستعود آثار مصر يومًا إلى حيث تنتمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى