أحمد صبري شلبي يكتب: سَفِينَةُ الْيَقِينِ وَبُوصْلَةُ الصَّائِمِين

هيا بنا نعود بالزمن إلى عصر نبي الله نوح عليه السلام، نقف في صحراء شاسعة، ونشهد النبي وهو يمتثل لأمر الله بصنع سفينة، نعم، سفينة في قلب الصحراء!
مشهد يثير الدهشة، بل ربما الاستهجان والسخرية. تخيل لو أتيحت لنا فرصة سؤال نوح عليه السلام عن دافعه، لكانت الإجابة واضحة وحاسمة: الامتثال لأمر الله.
ذلك الامتثال الذي يرتكز على ركيزة أساسية واحدة، وهي اليقين بصدق وعد الله. هذا اليقين هو ما يدفع المؤمن إلى الإذعان لأوامر الله، حتى وإن تعارضت مع المنطق البشري المحدود أمام علم الله اللامحدود.
عندما نتدبر سير الأنبياء في القرآن الكريم، نجد أن الهدف من القصص القرآني ليس مجرد سردٍ للحكايات، بل هو خارطة طريقٍ للإيمان، ترشدنا نحو اليقين بالله. فليست الغاية من هذه القصص التسلية، بل أن يضع كل منا نفسه موضع هؤلاء الأنبياء، ليكمل رحلتهم الإيمانية.
نعم، الرسالة النبوية اختُتمت ببعثة النبي محمد ﷺ، لكن المسيرة الدعوية لم تنتهِ، وسفينة اليقين لا تزال تبحر بنا نحو برِّ الأمان.
واليوم، ونحن في شهر الصيام، شهر السمو الروحي والامتثال لأوامر الله، نجد أنفسنا بحاجة ماسة إلى بناء سفينتنا الخاصة، سفينة اليقين، التي ستكون لنا ملاذًا في زمنٍ تتلاطم فيه أمواج الشرك والإلحاد، والانحلال الأخلاقي، والانفلات القيمي، فسفينة اليقين لا تقتصر على العبادات الفردية فحسب، بل تمتد لتشمل سلوكياتنا اليومية وتعاملاتنا مع الآخرين.
كما أن اليقين لا يعني غياب التحديات، بل هو الثبات عند مواجهتها. تمامًا كما ثبت نبي الله نوح أمام سخرية قومه، علينا أن نثبت أمام العوائق التي تعترض طريق الإيمان، مستعينين بالصبر والدعاء والعمل الصالح.
إن بناء سفينة اليقين ليس أمرًا لحظيًا، بل هو مشروع حياة، يتطلب جهاد النفس والمثابرة على الطاعة، والاستزادة من العلم النافع. فكما نبي الله نوح لم يتوقف عن دعوته رغم العقبات، فلنجعل من رمضان محطة انطلاقة نحو رحلة إيمانية متجددة، نرسخ فيها يقيننا بالله، ونبحر بسفينتنا بثبات حتى نصل إلى بر الأمان.
النفس البشرية بحاجة دائمة إلى أن تتقوى بالطاعات والعبادات، حتى تعبر بحار الظلمات نحو نور الله الواسع. فليكن ما تبقى من رمضان وسيلةً لتعزيز اليقين في قلوبنا، حتى نبلغ مرتبة التقوى، فننجو ونرتقي في مدارج الإيمان.