
إعداد: بسنت عماد
يتردد في الأوساط الشعبية سؤال قديم يتجدد دائمًا: هل كلمة “قبطي” تعني المسيحي وحده؟
كثيرون يختصرون المعنى على المسيحيين المصريين، بينما يغيب عنهم أن الكلمة في أصلها أوسع من ذلك، وأنها ارتبطت منذ البداية بالهوية المصرية نفسها، قبل أن تتحول إلى وصف ديني مع مرور الزمن.
فكل مصري في الأصل قبطي، فالمسيحي قبطي، وكذلك المسلم قبطي، لأن اللقب لا يعبّر عن الديانة بقدر ما يشير إلى الجذور المصرية الممتدة عبر آلاف السنين.
الجذور اللغوية والتاريخية
ترجع كلمة “قبط” إلى الاسم المصري القديم “حت كا بتاح”، أي منزل روح الإله بتاح، وهو المعبد الكبير في مدينة منف، العاصمة الأولى لمصر القديمة.
هذا الاسم استخدمه المصريون في البداية ليشير إلى موطنهم، ثم التقطه الإغريق وحولوه إلى “إيجيبتوس”، التي صارت في اللغات الأوروبية الحديثة “إيجيبت”.
وعندما دخل العرب مصر في القرن السابع الميلادي، تحولت الكلمة على ألسنتهم إلى “قبط”، فأصبحت تشير إلى المصريين جميعًا دون تمييز.
ويذكر المؤرخ المقريزي أن العرب أطلقوا على أهل مصر “الأقباط”، أي المصريون الأصليون، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين.
من الهوية إلى الديانة
مع انتشار المسيحية في مصر منذ القرن الأول الميلادي، أصبح معظم المصريين مسيحيين، فارتبط وصف “قبطي” بهم لفترة طويلة.
وبعد الفتح الإسلامي واعتناق الغالبية العظمى من المصريين الإسلام تدريجيًا، ظل عدد منهم على المسيحية، ومن هنا بدأ استخدام الكلمة في معناها الضيق للإشارة إلى المسيحيين فقط.
وتوضح الموسوعة البريطانية أن لفظ “Copt” كان يعني “المصري” في الأصل، لكنه مع مرور الوقت انحصر في الاستخدام الشائع على المسيحيين المصريين.
الأقباط والمصريين القدماء
الأقباط، بمسيحييهم ومسلميهم، هم الامتداد الحي للمصريين القدماء. فقد أثبتت الدراسات الجينية الحديثة، ومنها دراسة نشرت في مجلة Nature Communications عام 2017، أن المصريين الحاليين ما زالوا يحملون البصمة الوراثية ذاتها لسكان وادي النيل في العصور الفرعونية.
أما اللغة القبطية فهي المرحلة الأخيرة من اللغة المصرية القديمة، وقد كتبها الأقباط بحروف يونانية مع إضافة بعض الرموز الديموطيقية، وظلت مستخدمة كلغة دينية حتى اليوم داخل الكنيسة الأرثوذكسية.
الباحث جمال حمدان يؤكد في كتابه “شخصية مصر” أن المصريين لم ينقطعوا عن جذورهم، وأن الإسلام لم يغير هويتهم العرقية، بل ظلوا في جوهرهم امتدادًا لأسلافهم الفراعنة.
خلاصة تاريخية
إذن فالمصريون جميعًا، مسلمين ومسيحيين، هم أقباط بالمعنى الأصلي للكلمة.
لكن مع التحولات الدينية والسياسية عبر القرون، أصبحت الكلمة في التداول العام مرتبطة أكثر بالمسيحيين المصريين.
ومع ذلك، فإن “قبطي” في جوهرها لا تعني ديانة بعينها، بل تشير إلى هوية وطنية تمتد لآلاف السنين، تربط المصري الحديث مباشرة بأجداده المصريين القدماء.