سلايدرمقالات

نيفين أبو حمدة تكتب: تهجير الفلسطينيين فكرة صهيونية تعالج الفشل الإسرائيلي (1)

لم يتجاوز المُعلن من ردة الفعل الإسرائيلية بشأن تهجير الفلسطينيين وإعادة أعمار قطاع غزة – ارتفاع أصوات التأييد والدعم للفكرة المطروحة من كبير داعمي إسرائيل “دونالد ترامب”. ولكن الذي لم ينتبه له الكثيرون أن إسرائيل أنشأت إدارة خاصة لتلقي وفحص طلبات الخروج الطوعي لسُكان غزة،  وأن هذه الإدارة تابعة لمكتب وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، وأنه صدّق على خطة العمل الأولية التي أعدها وقدمها منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة اللواء “راسان عليان” بناء على طلب الوزير؛ وأن تتضمن هذه الخطة أن أي مواطن فلسطيني مقيم في غزة يرغب في الهجرة طوعًا إلى دولة ثالثة (غير مصر والأردن)، سيحصل على مساعدات إسرائيلية واسعة النطاق وترتيبات خروج خاصة عن طريق البحر والجو والبر.وترتيبات خروج خاصة من القطاع ومن المنتظر أن تضم الإدارة ممثلين عن وزارات حكومية إضافية وهيئات أمنية.
التهجير فكرة صهيونية
   فُرض الصراع العربي الإسرائيلي علينا فرضًا وأصبحت “الصهيونية” شبحًا يُطارد أمن واستقرار الأبرياء في منطقتنا العربية، وتجاوزت في مساعيها لتحقيق أهدافها مجرد إنشاء وطن (قومي) لليهود، وعمل روادها وداعموها على بناء جدار حديدي بالمعنى المجازي أو بالمعنى العملي؛ لمنع الفلسطينيين والعرب من كسر إرادة وقوة الروح اليهودية. وكانت هذه هي النظرة الواقعية (في وجهة نظر الصهيونية) التي تصدرت المشهد السياسي لإنشاء دولة (يهودية لليهود) ذات أغلبية يهودية واضحة.
وتوصل “آرثر روبين” الذي كان يرأس إدارة إستيطان فلسطين عام 1908م. إلى أن الفلسطينيين هم المشكلة الكبرى، وأنه لا أمل في المصالحة الحقيقية بين الشعبين. وسيطرت عليه فكرة الدولة ثنائية القومية. وعندما سعى بعض اليهود إلى التعايش في سلام واعتباره بمثابة التزام أخلاقي، وصف  الحاخام “يهودا هاليفي” هذا التوجه بالخطأ وقال النية قد تكون مرغوبة ولكن الفعل غير مرغوب.يقول الكاتب اليهودي الصهيوني “موشيه سميلانسكي” أن تجربة شجعة الاختلاط بالفلسطينيين لم تكن مُشجعة، وأنها كانت أحد التحديات التي واجت الرواد الأوائل للصهيونية، ووصفهم بالوحشية والبدائية في مقاله “في الوطن” عام 1914م: “أنهم سيضطرون للتعامل مع شعب شبه متوحش، لديه مفاهيم بدائية للغاية: إذا شعروا بالقوة فيك، فسوف يستسلمون لك وسيحتفظون أيضًا بكراهيتهم لك في قلوبهم”.
وقال الأديب اليهودي “يوسف حاييم برينر” بعد هجرته إلى فلسطين عام 1909م أن الكراهية بين اليهود والعرب( بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص) موجودة بالفعل وسوف تظل موجودة”. وهذا يُنبئ بمستقبل قاتم للصهيونية.  وقال “زئيف جابوتنسكي” مؤسس تيار الصهيونية التصحيحية، في مقالته “الجدار الحديدي” عام 1923م أنه ليس هناك أي أمل في أن يتفق العرب مع الصهيونية طواعية. ولذا طرح تطبيق القاعدة التالية على الصراع بين اليهود والفلسطينيين في فلسطين : “كل شعب أحد سكان الأرضو يرى في بلاده وطنه القومي، وهناك من يريد أن يكون مالكاً مطلقاً لهذا الوطن وأن يظل كذلك إلى الأبد”. وليس هناك أي أمل في أن تنجح الهدايا والإيماءات في إقناع العرب بقبول أولى خطوات الصهيونية”.
ورغم أن اليهود كانوا يشكلون أقلية صغيرة لا تزيد عن 10% من سكان فلسطين في أوائل عشرينيات القرن العشرين، ظل اندلاع العنف بينهم وبين الفلسطينيين أحد المخاوف التي يهدد مستقبل الصهيونية. خاصة وأن الفلسطيني لم يتزحزح عن معارضته للسلوك الصهيوني الذي تسبب في استفزاز لا يطاق بالنسبة لأصحاب الأرض؛ فنشأت في الأوساط الصهيونية وبين اليهود فكرة التهجير الديموجرافي ونقل الفلسطينين، وتمت مناقشة إمكانية ذلك خلف الأبواب المغلقة بين شخصيات صهيونية وبريطانية رفيعة المستوى قبل عام 1948م، في ضوء رؤية “بنيامين زئيف هرتسل” مؤسس التيار الصهيوني السياسي، الذي يعتبر أول أو من أوائل من فكر في تسريع خروج الفلسطينيين ولذا لم يتطرق إلى طابعهم الثقافي أو إلى التنوع الديني أو جوهر العقائد الإسلامية ولم يُلق بالًا بالقضية الديموجرافية خلال زيارته الوحيدة لفلسطين عام 1898م.
وكتب في مذكراته عام 1895م، أي قبل عامين تقريباً من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، خطة تتعلق بالفلسطينيين وقال: “سوف نحاول دفع السكان المعوزين إلى عبور الحدود من خلال توفير فرص عمل لهم في بلدان العبور، مع عدم توفير أي عمل لهم في بلادنا”.
ويُعد هذا نموذجًا لتشجيع التهجير (غير القسري) من خلال استخدام آلية الضغط الاقتصادي. حيث اعتبرهم “هرتسل” عقبة ذات تداعيات سياسية وأمنية أن أمرهم يتطلب حلاً حاسماً.
وكان “دافيد بن جوريون” يدفع باتجاه انتقال الفلسينيين العاملين بالزراعة من غرب إسرائيل نحو نهر الأردن. وناقش هذا الأمر مع المفوض السامي البريطاني في عام 1936م. وفي عام 1937م أوصت لجنة “بيل” البريطانية بحل يقوم على إقامة دولة عربية ودولة يهودية، ودعت إلى نقل أكثر من 200 ألف فلسطيني من الدولة اليهودية المقترحة إلى الدولة العربية الناشئة، في إطار الخطوط الضيقة في بلد صغير واحد، وحيث لا يوجد أرضية مشتركة بينهما، وتطلعات وطنية متعارضة بينهما. والتأكيد على أن “الفجوة واسعة وسوف تستمر في الاتساع في المستقبل”. وكان بن جوريون متحمسًا لنقل السكان الفلسطينيين عبر نهر الأردن إلى سوريا والعراق كخطوة أولية نحو إقامة دولة يهودية أكثر توسعاً.
ومن ثمّ تحول المخطط إلى واقع عندما رفض العرب قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947م. واندلع العنف في فلسطين، وشهدت نزوح شامل من المدن والقرى مثل من طبريا وحيفا في إبريل 1948م. وفي مايو أشار “بن جوريون” إلى القادة “إيجال ألون وموشيه ديان” بإجلاء السكان الفلسطينين بعد إطلاق الشائعات حول المخاطر والترهيب من الحياة تحت حُكم يهودي، وطُرد نحو نصف مليون فلسطيني أو فروا أو نزحوا من منازلهم خلال أشهر قليلة، وقال الكاتب اليهودي “بيني موريس” في كتابه “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947م-1949م، إلى أن الخروج  الفلسطيني قد حل المشكلة السياسية الاستراتيجية الرئيسية للدولة اليهودية، وهي وجود أقلية عربية معادية بالممارسة أو بالقوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى