
إعداد: رحمه حمدى
تتصاعد المخاوف الدولية بشأن الأوضاع الإنسانية والأمنية في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد أن أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على القاعدة العسكرية الرئيسية للجيش السوداني في المدينة، والتي تضم أيضاً مخيماً للنازحين يعاني سكانه من ظروف مجاعة صعبة.
وأكدت قوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية، يوم الأحد سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر بعد حصار دام لأكثر من عام، ضمن الحرب الأهلية المستعرة في البلاد. وجاء في بيان للقوات أنها بسطت سيطرتها على المدينة من قبيلة ما وصفته بالمرتزقة والميليشيات.
من جهتها، ردت ميليشيات المقاومة الشعبية الموالية للجيش السوداني بأن القوات المسلحة انتقلت إلى مواقع أكثر تحصيناً، مؤكدة أن السكان المدنيين ما زالوا يواصلون المقاومة في وجه ما اسمتها الميليشيات الإرهابية.
وأعرب توم فليتشر، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، عن قلقه العميق إزاء التقارير التي تفيد بتوغل المقاتلين داخل المدينة وتقطيعهم لطرق الهروب. ودعا فليتشر إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإتاحة الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية، وتأمين ممرات آمنة للمدنيين الراغبين في مغادرة المدينة.
بدورها، أكدت قوات الدعم السريع التزامها بتوفير ممرات آمنة لكل الراغبين في الانتقال إلى أماكن أخرى، مع ضمان الحماية اللازمة لجميع المتواجدين في المدينة.
يذكر أن السودان يشهد حرباً أهلية طاحنة منذ أبريل 2023، بسبب تمرد قوات الدعم السريع على الجيش السوداني طمعا في السلطة، بدأت المواجهات مسلحة في العاصمة الخرطوم، امتدت لاحقاً إلى مختلف أنحاء البلاد.
وبحلول الذكرى الثانية لاندلاع الصراع، نزح أكثر من 13 مليون شخص، بينما يحتاج نصف السكان البالغ عددهم 51 مليون نسمة إلى مساعدات غذائية عاجلة.
وعلى الرغم من نجاح الجيش السوداني في استعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس 2025، مما سمح لعودة العديد من السكان، إلا أن القتال استمر في جنوب وغرب البلاد. وفي مايو 2024، فرضت قوات الدعم السريع حصاراً محكماً على مدينة الفاشر في إقليم دارفور.
وفي أغسطس من العام نفسه، أعلنت الأمم المتحدة أن أكثر من 600 ألف شخص نزحوا من المدينة، بينما لا يزال 260 ألف شخص محاصرين فيها، محرومين من أبسط مقومات الحياة والمساعدات الإنسانية.
نشرت مقاطع فيديو تظهر مقاتلي قوات الدعم السريع وهم يحتفلون أمام حامية الفاشر العسكرية التي أخلاها الجيش. كما انتشرت مقاطع أخرى، تظهر هجمات للقوات على مجموعات من الرجال الجالسين على الأرض، مع اتهامهم بأنهم جنود، إلى جانب مشاهد لمركبات تابعة لها تطارد مدنيين فارين.
ويعاني الإقليم من انقطاع حاد في الاتصالات والإنترنت عبر الأقمار الصناعية، مما يعيق بشكل كبير وصول المعلومات المستقلة من الفاشر. ومع ذلك، أفاد أشخاص تمكنوا من مغادرة المدينة أن بعض من حاول الفرار قتل على يد قوات الدعم السريع.
وفي سياق متصل، أعربت نقابة الصحفيين السودانيين عن قلقها البالغ إزاء اعتقال الصحفي معمر إبراهيم، مشيرة إلى انتشار مقاطع فيديو تظهره محاطاً بمقاتلي قوات الدعم السريع على منصات التواصل الاجتماعي، وطالبت بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه.
كانت الحكومة السودانية قد اتهمت دولة الإمارات بتزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة، وهو اتهام نفته أبوظبي بشكل قاطع. وفي أبريل الماضي، كشف تقرير مسرب لفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة عن رحلات جوية متعددة من الإمارات، حاولت خلالها طائرات النقل تجنب أنظمة الكشف أثناء توجهها إلى قواعد في تشاد المجاورة، حيث تم رصد عمليات تهريب أسلحة عبر الحدود إلى إقليم دارفور.
من جانبه، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من وجود تدخل خارجي متزايد يقوض مسار وقف إطلاق النار والحل السياسي للحرب الأهلية في السودان. وشدد غوتيريش خلال مؤتمر صحفي على هامش قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا في كوالالمبور على ضرورة أن يتحدث المجتمع الدولي بوضوح مع جميع الدول التي تتدخل في هذه الحرب وتمد أطرافها بالأسلحة، مطالباً بوقف هذه الممارسات فوراً.
وأكد أن الأزمة في السودان ليست مشكلة محلية تقتصر على الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل تمتد آثارها وتداعياتها إلى مستوى الإقليم والعالم.
تجدر الإشارة إلى أن قوات الدعم السريع تنبثق من ميليشيات الجنجويد العربية، التي اتهمت بارتكاب إبادة جماعية في دارفور عام 2003 بأمر من الرئيس السابق عمر البشير. وفي يناير الماضي أعلنت الحكومة الأمريكية رسمياً في أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم إبادة جماعية.
الجيش السوداني كان يسيطر على المدينة والتي كانت تُعتبر آخر معاقل الجيش الرئيسية في إقليم دارفور. كان دور الجيش هناك يتمحور حول الدفاع عن هذه القاعدة الاستراتيجية ضد هجمات قوات الدعم السريع التي فرضت حصاراً على المدينة لأكثر من 18 شهراً.
كان يتم التنسيق مع حلفائه من القوة المشتركة (المكونة من فصائل مسلحة سودانية والمقاومة الشعبية. وأمنت المساعدات الإنسانية في المدينة التي كانت تمثل المدخل الرئيسي للمساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور.
نفذ الجيش الإسناد الجوي واللوجستي من خلال عمليات إسقاط جوي بالمظلات لتقديم الإمدادات الطبية والذخائر للقوات داخل المدينة.
كانت المدينة بالنسبة للجيش عاصمة العمليات الإنسانية حيث مثلت مركزاً حيوياً لتوزيع المساعدات الإنسانية لملايين المحتاجين في دارفور عبر ميناء بورتسودان.
ويعد السيطرة على الفاشر تطوراً بالغ الخطورة، إذ يعني ذلك سيطرة قوات الدعم السريع حميدتي، على ولايات دارفور الخمس بالكامل. ويحذر محللون من أن هذا التطور قد يمهد الطريق أمام تقسيم فعلي للسودان.
وسيطرة حميدتي على الفاشر ولو سيطرة مؤقتة، هي مؤشر خطر على انفصال كامل غرب السودان وخلق نقطة تماس مباشر مع مصر في مسافة ٦٠٠ كيلو من الحدود المصرية
كما أنه يؤثر على مصر بشكل مباشر في ملف النيل و حصص المياة حيث يخلق منطقة معادية على الحدود المصرية.المصادر:



