Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقاريرسلايدر

من المدارس إلى المساجد.. جماعة الإخوان واختلاس أكثر من 100 مليون دولار في أوروبا

إعداد: رحمه حمدى

في ظل التصريحات الأخيرة التي أعلن فيها الرئيس الأمريكي ترامب، نيته تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، تتعالى التساؤلات حول طبيعة وأنشطة هذه الجماعة عالميا. حيث تؤكد واقعة الفساد المالي الكبرى التي كشف عنها تحقيق صحفي سويدي، والمرتبطة بشبكة من الأئمة المنتمين للجماعة، على الانتشار الدولي لأنشطتها المثيرة للجدل، والتي تتخطى في أبعادها الحدود السياسية لتشمل قضايا اقتصادية وأمنية تمس سيادة الدول واستقرارها، مما يضع دوافع التصنيف المقترح تحت الأضواء.

استغلال المدارس الخاصة واختلاس أموال دافعي الضرائب

كشف تحقيق صحفي موسع أجرته صحيفة إكسبريسن السويدية عن وقائع اختلاس وفساد مالي واسع النطاق تتورط فيه شبكات مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. وأوضح التحقيق أن هذه الشبكات قامت بنهب مبالغ مالية تتجاوز مليار كرونة سويدية من خلال استغلال نظام قسائم المدارس وصناديق الرعاية الاجتماعية بشكل غير مشروع.

كما أظهرت الوقائع أن مجموعة من الأئمة المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين قاموا باختلاس أكثر من مائة مليون دولار من أموال دافعي الضرائب السويديين. وتورطت شبكة من الأئمة المرتبطين بالجماعة في إدارة عدد من المدارس الخاصة في السويد، قبل أن يفر أغلبهم من البلاد بعد كشف هذه العمليات.

تفاصيل التحويلات غير القانونية

وكشف التحقيق تفاصيل جديدة تشير إلى تورط عبد الرزاق وابيري، العضو السابق في البرلمان السويدي، في هذه الشبكة، حيث قام بتحويل مبلغ اثني عشر مليون كرونة سويدية بشكل غير قانوني لتمويل أنشطة متنوعة شملت نوادي جنسية في تايلاند وفنادق فاخرة، بالإضافة إلى تمويل حزبه الإسلامي في الصومال، وذلك من خلال فواتير تكنولوجيا معلومات مزورة.

من جانبه، علق هنريك فاجر، المدعي العام الرئيسي في هيئة مكافحة الجرائم الاقتصادية في جوتنبرج، على هذه الحوادث بأنها تشكل خسارة مضاعفة للمجتمع السويدي. وأوضح أن هذه الجرائم لا تقتصر على اختفاء أموال الرعاية الاجتماعية فحسب، بل تمتد إلى حرمان المجتمع من الخدمات الاجتماعية التي تم دفع ثمنها فعلياً من أموال الضرائب، في حين يستفيد منها أشخاص آخرون يقومون بسرقتها والاستغلال الشخصي على حساب المال العام.

وأبرز التحقيق أن هذه الحوادث، التي تم الإبلاغ عنها سابقاً في وسائل الإعلام كوقائع منفصلة، ترتبط في الواقع بشبكتين متعاونتين تقفان خلف هذه المدارس ومدارس ما قبل المدرسة، وقد تشاركتا في ارتكاب جرائم الاستيلاء على أموال الرعاية الاجتماعية بمبالغ تقدر بملايين الدولارات.

كما سلط التحقيق الضوء على تورط مجموعة من الأئمة تم تصنيفهم من قبل هيئة الأمن السويدية سابو في عام 2019 على أنهم يشكلون تهديداً للأمن القومي السويدي. وشملت هذه المجموعة أفراداً مثل أبو رعد وعبد الناصر النادي وحسين الجبوري، الذين قاموا بإدارة مدارس ومدارس ابتدائية قامت بتحويل عشرات الملايين إلى أفراد وجماعات متطرفة في مالطا.

وقد اتخذت السلطات السويدية إجراءات بإغلاق هذه المدارس، في بعض الحالات بناء على طلب مباشر من جهاز الأمن، بينما في حالات أخرى تم إغلاق المدارس باستخدام نهج تحقيقات الجرائم الاقتصادية المشابه للأسلوب الذي اتبعه “آل كابوني” كما وصفته الصحافة السويدية.

شبكات التمويل الاقتصادي في أوروبا

تشير تقارير أمنية واستقاصئية اوروبية إلى أن الجماعة طورت نظامًا اقتصاديًا معقدًا يعتمد على نخب اقتصادية ومؤسسات مالية لتمويل أنشطتها في الغرب.

· النخبة الاقتصادية:

برزت شخصيات مثل يوسف ندا الذي يُلقب بـ”وزير مالية الإخوان”، حيث أسس “بنك التقوى” في جزر البهاما عام 1988 كأول بنك إسلامي يعمل خارج العالم الإسلامي، وتم تجميد أمواله لاحقًا من قبل السلطات الأمريكية بعد اتهامه بدعم الإرهاب . كما يُعد إبراهيم الزيات (حامل الجنسية الألمانية) من أعمدة التنظيم الدولي، وقد تولى قيادة عدد من المراكز الإسلامية في ألمانيا وبريطانيا، وأسس شركات استثمارية وعقارية لصالح التنظيم .

· الاستراتيجية الاقتصادية: 

يتميز الاقتصاد الإخواني بكونه اقتصادًا خدميًا وسريع الربح، ويبتعد عن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية طويلة الأجل. وهو اقتصاد “معولم” يستفيد من الثغرات في الملاذات الآمنة (الأوف شور) لتعزيز قدراته.

• آليات التغلغل والاستغلال المؤسسي:

تعتمد الجماعة على استراتيجية “التمكين” من خلال التغلغل في المؤسسات الاجتماعية والسياسية والقانونية في الغرب، مستغلة الحريات المتاحة.

نجحت منظمات مرتبطة بالجماعة في التأثير في السياسات العامة من خلال ترسيح علاقات استشارية مع وكالات فيدرالية أمريكية مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووزارة الأمن الداخلي (DHS)، مما مكنها من التأثير في لغة وسياسات مكافحة الإرهاب .

• الحرب القانونية:

 تستغل الجماعة النظام القانوني نفسه كآلية للهجوم والدفاع عن أجندتها. وأبرز مثال على ذلك هو تحويل مفهوم “الإسلاموفوبيا” من التركيز على حماية الأفراد المسلمين إلى حظر النقد الموجه للأيديولوجية الإسلاموية أو المنظمات المرتبطة بها.

• المراكز الإسلامية والمساجد: 

تعمل مراكز مثل “الوقف الإسلامي لأمريكا الشمالية” (NAIT) على السيطرة على أصول عقارية لمئات المساجد والمراكز، مما يضمن استدامة الشبكة المالية والرقابة المؤسسية طويلة الأمد.

• شبكات حقوق الإنسان كواجهة:

كشف بعض الباحثين كيف تحولت الجماعة إلى استخدام منظمات حقوق الإنسان كواجهة ناعمة لتعزيز نفوذها وكسب التعاطف الدولي.

لم تعد الجماعة تعتمد على الشعارات الدينية فقط، بل اعتمدت تحول تكتيكي وأصبحت توظف مفاهيم مثل حقوق الإنسان والديمقراطية كأدوات تكتيكية لخلق شرعية موازية وتقويض الدول من الداخل.

• أمثلة على المنظمات: 

يتم ذكر منظمات مثل “مؤسسة الكرامة” في سويسرا، و “المنبر المصري لحقوق الإنسان” في أوروبا والولايات المتحدة، و “مركز الشهاب لحقوق الإنسان” في لندن، كواجهات تعمل على تدويل قضايا الجماعة وتحويلها إلى قضايا حقوقية.

سجل الاتهامات الدولية: مسار طويل من الشبهات المالية

ليست الفضائح الحديثة سوى حلقة في مسار طويل من الشبهات التي لاحقت الشبكة المالية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين عبر عقود في الغرب:

 التسعينيات (الولايات المتحدة): بدأت التحقيقات الجادة مع قضية “مؤامرة نيويورك” (1995) التي استهدفت قيادات في “حماس” والإخوان، وكشفت عن شبكة تمويل معقدة. وتصاعدت مع “قضية مؤسسة الأرض المقدسة” (2001) التي صنفتها الولايات المتحدة كذراع تمويل رئيسي لحماس.

 · سويسرا (2001): تم تجميد حسابات “بنك التقوى” واتهام مؤسسه يوسف ندا بتمويل الإرهاب، في واحدة من أولى الضربات الكبرى للشبكة المالية العالمية.

  · بريطانيا (2003): أُدرجت “جمعية التضامن الإسلامي العالمية” على قوائم الإرهاب البريطانية والأمريكية لاتهامها بتمويل القاعدة.

· الولايات المتحدة (2008 – 2014): تم تجميد أصول ورجال أعمال بارزين مثل يوسف ندا وشركائه، واتهمتهم السلطات الأمريكية بتمويل جماعة الإخوان عبر شبكة معقدة من المؤسسات المالية والخيرية، أبرزها “بنك التقوى” في جزر البهاما.

· مصر والإمارات والسعودية (2013 – 2017): تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، وإصدار قوائم سوداء بشبكاتها المالية العالمية.

 · سويسرا (2020): فرضت السلطات الأمريكية والعالمية عقوبات على “مؤسسة الكرامة” في جنيف، واتهمتها بأنها قناة تمويل رئيسية للإخوان على مستوى العالم، حيث كانت تنقل الأموال بشكل سري لصالح التنظيم.

· السويد (2023 – 2024): كشف تحقيق صحفي ضخم فضيحة اختلاس ما يزيد عن مليار كرونة سويدية من أموال القسائم التعليمية، عبر شبكة من المدارس ورياض الأطفال الخاصة التي يديرها أئمة وشخصيات مرتبطة بالجماعة.

· ألمانيا وبريطانيا (تحقيقات مستمرة): لا تزال التحقيقات جارية حول شبكات اقتصادية يديرها شخصيات مثل إبراهيم الزيات، حيث يتم التحقيق في دور المراكز الإسلامية والشركات الاستثمارية التابعة لهم في تمويل أنشطة الجماعة عبر أوروبا.

تُجسد فضيحة الاختلاس في السويد – بكل تفاصيلها وآلياتها – النموذج الأكثر وضوحًا لاستراتيجية عمل جماعة الإخوان المسلمين الدولية. فما حدث ليس مجرد جريمة مالية معزولة، بل هو تجسيد عملي لآلية متقنة تعتمد على ثلاث ركائز:

1. شبكات مالية مظلمة: تستغل ثغرات الأنظمة المالية في الغرب والملاذات الآمنة (الأوف شور) لتحويل الأموال العامة والخاصة عبر شركات وهمية ومشاريع تجارية وهمية لتمويل أجندة التنظيم.

2. مؤسسات واجهة بريئة: تستخدم المؤسسات التعليمية والاجتماعية (كالمدارس ورياض الأطفال) والمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية كواجهات شرعية لكسب ثقة المجتمعات والحكومات، بينما يتم تحويل أنشطتها إلى أدوات لغسل الأموال وتمويل الأنشطة الخفية.

3. استغلال القيم والمؤسسات الغربية: تستفيد الجماعة ببراعة من قيم الديمقراطية والحرية والتعددية في الغرب، وتوظف آلياتها القانونية (مثل “الحرب القانونية” Lawfare) وأجهزتها الحكومية (عبر علاقات استشارية) لتعزيز نفوذها وإسكات منتقديها تحت شعارات مكافحة “الإسلاموفوبيا”.

وتُظهر هذه الفضيحة بوضوح الطريقة التي تعمل بها جماعة الإخوان عبر شبكات مالية مظلة، ومؤسسات واجهة، واستغلال لثقة الحكومات الغربية، وتحويل التعليم والرعاية إلى أدوات تمويل خفية لمشاريع التنظيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى