تقاريرسلايدر

من أصول جزائرية إلى قمة الأمن الإسرائيلي.. نتنياهو يعيّن ديفيد زيني رئيسًا للشاباك وسط انقسام وجدل سياسي

إعداد: بسنت عماد

في خضم حرب دامية يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، خلّفت آلاف الشهداء والجرحى وسط اتهامات دولية بارتكاب جرائم حرب، صادقت لجنة التعيينات العليا على اختيار اللواء ديفيد زيني، ذو الأصول الجزائرية، رئيسًا لجهاز الأمن العام “الشاباك”، بترشيح مباشر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

القرار جاء في لحظة فارقة أعقبت هجوم السابع من أكتوبر الذي هزّ إسرائيل وأعاد رسم أولوياتها الأمنية، لكنه أثار جدلًا واسعًا، ليس فقط بسبب الخلفية العسكرية لزيني، بل أيضًا بسبب التداعيات السياسية والقانونية التي رافقت إقالة سلفه رونين بار، وسط اتهامات متصاعدة لنتنياهو بمحاولة إخضاع الأجهزة الأمنية لحساباته السياسية.

خلفية شخصية

وُلد ديفيد زيني عام 1974 في القدس ونشأ في مدينة أسدود، وسط عائلة دينية متشددة.

تعود أصول عائلته إلى مدينة مشيرية بولاية النعامة في الجزائر، حيث كان جده الحاخام مائير زيني رجل دين مسؤولاً عن رعايا اليهود هناك.

وبعد استقلال الجزائر عام 1962 هاجرت العائلة إلى فرنسا، ومنها استقرت لاحقًا في القدس.

والده، الحاخام يوسف زيني، أصبح لاحقًا حاخام المنطقةفي أسدود، كما كان ناشطًا في اليمين الإسرائيلي ضمن التيار الذي يقوده اليوم بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، ما أضفى على نشأة ديفيد طابعًا دينيًا متشدداً. أما عمه فهو الحاخام المتشدد إلياهو زيني، المعروف بمواقفه الدينية والسياسية الصارمة.

زيني متزوج ويعيش في مستوطنة “كيشيت” بمرتفعات الجولان السوري المحتل، ولديه أحد عشر ابنًا، كما أن له عشرة إخوة.

التحق بالخدمة العسكرية عام 1992، ومنذ ذلك الحين صعد بسرعة في السلم العسكري حتى صار من أبرز قادة الجيش الإسرائيلي.

الخبرة عسكرية

خدم زيني في وحدات النخبة وقيادة الألوية الميدانية، حيث كان:

ـ مقاتلًا في وحدة “سيرت متكال” الخاصة.

ـ قائد كتيبة 51 في لواء “جولاني”، ثم قائد مركز العمليات في حرب لبنان الثانية.

ـ قائد وحدة “إيجوز” ولواء “ألكسندروني”.

ـ مؤسس لواء الكوماندوز، وضابط عمليات في المنطقة الوسطى.

ـ قائد المركز الوطني للتدريبات البرية، ثم قائد فيلق الأركان العامة.

كما شارك في عدة حروب وعمليات بارزة:

ـ شارك في عدة عمليات عسكرية في غزة ولبنان وفي حرب 2006.

ـ قاد وحدة “إيجوز” في عملية “الرصاص المصبوب” عام 2008

ـ خاض معركة “الجرف الصامد” عام 2014 قائدًا للواء ألكسندروني

ـ شارك في صد هجوم 7 أكتوبر 2023، متوجهًا إلى غلاف غزة للدفاع عن المستوطنات الإسرائيلية في صد هجوم 7 أكتوبر 2023، متوجهًا إلى غلاف غزة للدفاع عن المستوطنات الإسرائيلية

ـ وأفادت تقارير إسرائيلية أنه كان من بين الضباط الذين قادوا عملية اغتيال هادي نصر الله، نجل حسن نصر الله، وخطف جثته إلى داخل إسرائيل.

ـ إلى جانب ذلك، أسس لواء الحشمونائيم لدمج الحريديم في الجيش مع الحفاظ على نمط حياتهم الديني، في خطوة لاقت دعمًا رسميًا لكنها أثارت معارضة شرسة من متشددين دينيين.

المسار السياسي للتعيين

جاء ترشيح نتنياهو لزيني في مايو الماضي، في سياق خلاف عميق مع الرئيس السابق للشاباك رونين بار.

فبعد أن قرر نتنياهو إقالة بار، قضت المحكمة العليا بأن الخطوة “غير قانونية”، ما فجّر جدلًا واسعًا حول حدود سلطة رئيس الوزراء على الجهاز.

ورغم اعتراض المدعية العامة غالي بهاراف-ميارا على خيار زيني، معتبرة أنه قد يواجه تضارب مصالح بسبب تحقيقات يجريها الشاباك بحق مقربين من نتنياهو، صادقت لجنة التعيينات مؤخرًا على القرار، مبررة عدم وجود “إشكالية أخلاقية” تحول دون توليه المنصب.

ردود الفعل والمعارضة

اعتبرت المعارضة الإسرائيلية ومنظمات حقوقية أن إقالة بار وتعيين زيني “مؤشرًا على محاولة خطيرة لتسييس الأجهزة الأمنية”، محذرين من أن استقلالية الشاباك باتت مهددة.

على النقيض، يرى أنصار نتنياهو أن الاستعانة بزيني، القادم من خارج الجهاز، تمثل ضخ دماء جديدة ضرورية بعد فشل 7 أكتوبر، مؤكدين أن خبرته العملياتية وقدرته على “التفكير المستقل” هما ما تحتاجه إسرائيل في المرحلة المقبلة.

أهمية التوقيت

ويأتي هذا التعيين بعد أحداث 7 أكتوبر، التي أعادت رسم أولويات الأمن الداخلي والخارجي للدولة، ما يفرض على قيادة الشاباك قدرة عالية على التكيف مع واقع متغير وتهديدات متعددة، سواء داخلية أو إقليمية.

وكانت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف-ميارا قد أثارت تساؤلات بشأن قانونية اختيار نتنياهو لرئيس الشاباك، محذرة من تضارب محتمل للمصالح على خلفية تحقيقات يجريها الجهاز مع أعضاء من طاقم نتنياهو.

كما أن استقالة رونين بار في يونيو الماضي، بعد تحمّله المسؤولية عن فشل الجهاز في منع هجوم حماس، أضافت إلى حساسية القرار وعمّقت النقاش حول مستقبل القيادة الأمنية في إسرائيل.

البعد السياسي والأمني

لا يمكن قراءة تعيين ديفيد زيني على رأس “الشاباك” بمعزل عن الحسابات السياسية في إسرائيل. فبينما يقدمه نتنياهو باعتباره “رجل المرحلة الأمنية الجديدة”، ترى المعارضة أن القرار يعكس معركة أعمق حول مستقبل الديمقراطية وحدود تدخل الحكومة في عمل المؤسسات الأمنية والاستخباراتية.

ويأتي هذا التعيين في وقت تخوض فيه إسرائيل حربًا دموية ضد قطاع غزة، حيث يعيش المدنيون الفلسطينيون تحت قصف متواصل ليلاً ونهاراً ودمارًا واسعًا، في ظل اتهامات دولية متصاعدة للحكومة الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب.

وبينما يسوّق نتنياهو زيني كقائد قادر على “إعادة بناء الثقة” بالجهاز بعد إخفاقات 7 أكتوبر، تبدو المهمة أكثر تعقيدًا: فهي لا تقتصر على مواجهة المقاومة الفلسطينية أو منع هجمات مستقبلية، بل تشمل أيضًا التعامل مع الانقسام الداخلي في إسرائيل وصورة الدولة المتآكلة أمام المجتمع الدولي.

بهذا المعنى، لا يُنظر إلى زيني كخيار أمني بحت، بل كجزء من معركة أوسع تُخاض بالسلاح في غزة، وبالسياسة داخل إسرائيل، وبالصورة أمام العالم.

ومع استمرار نزيف الدم الفلسطيني، يظل السؤال مفتوحًا: هل سينجح زيني في إعادة صياغة دور “الشاباك” بما يخدم أمن إسرائيل، أم أن تعيينه سيعمّق الفجوة بين ما تريده الحكومة وما يراه العالم من حرب دامية على شعب أعزل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى