تقاريرسلايدر

مصر تسيطر على باب المندب من ميناء دوراليه

إعداد: رحمه حمدى

خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي في 23 أبريل 2025، أُعلن عن مشروعات مشتركة في الموانئ والمناطق الحرة، منها التوسعة المخططة لمحطة الحاويات في دوراليه ومشروعات لوجستية وطاقة ونقل بري.

وفي تحرك يستحق القراءة المتأنية، دخلت مصر بشكل رسمي في إدارة وتشغيل ميناء دوراليه في جيبوتي، والذي تمر عبره نحو 95% من تجارة إثيوبيا الخارجية. هذه الخطوة التي لم تحظ بتغطية إعلامية عالمية أو محلية، تحمل في طياتها أبعاداً استراتيجية عميقة تستدعي التوقف والتحليل.

أهمية دوراليه تنبع من موقعه عند مدخل باب المندب على طريق آسيا–أوروبا وبجواره قواعد عسكرية للصين وأمريكا واليابان وإيطاليا وفرنس اهذا التكدس العسكري يعكس الأهمية القصوى لمضيق باب المندب كممر استراتيجي.

بالإضافة إلى كونه الرئة البحرية لإثيوبيا فأكثر من 95% من تجارة إثيوبيا تمر عبر موانئ جيبوتي.

الحصول على حق إدارة الميناء يعزز امتداد النفوذ المصري على سلاسل الإمداد بالبحر الأحمر ويوفر تكاملًا مع قناة السويس وموانئ البحر الأحمر المصرية، مع عوائد اقتصادية متوقعة ونقاط نفوذ جيو‑استراتيجي في القرن الإفريقي.

لماذا ميناء دوراليه مهم لهذه الدرجة؟

يطل دوراليه على مضيق باب المندب أحد خنادق الشحن العالمية حيث تمر كميات ضخمة من التجارة البحرية والنفط إلى من قناة السويس. أي حضور تشغيلي هناك يمنح مصر قدرة أعلى على ربط مسار آسيا‑أوروبا من باب المندب حتى السويس ضمن سلسلة واحدة أكثر كفاءة.

 رئة إثيوبيا وعمق السوق الإقليمي

أكثر من 95% من تجارة إثيوبيا تمر عبر موانئ جيبوتي (ودوراليه أبرزها لمحطات الحاويات)، ما يجعل الميناء بوابة لسوق إثيوبي يفوق 120 مليون نسمة، وبوابة لعُمق شرق إفريقيا (الصومال، جنوب السودان، كينيا الداخلية…).

بنية مرفئية متقدمة وقدرات متنامية

مشغل الميناء الحالي: شركة SGTD (حكومية جيبوتية) تدير محطة الحاويات منذ 2018. القدرة التصميمية لمحطة الحاويات تُقدَّر بنحو 1.8 مليون TEU، بطول أرصفة يقارب 1050 مترًا وعمق ‑18 إلى ‑20 م، مع ربط سككي مباشر بخط أديس أبابا‑جيبوتي. جيبوتي رفعت حجم المناولة العابرة (Transshipment) بشكل كبير في 2024‑2025 بفعل تحولات مسارات السفن في البحر الأحمر.

ماذا يعني لمصر امتلاك/تولي إدارة ميناء كهذا؟

 مكاسب استراتيجية

تكامل سلسلة الإمداد: ربط بوابة باب المندب مباشرة بالأذرع المصرية (قناة السويس وموانئ البحر الأحمر/شرق المتوسط) يتيح عقود نقل متكاملة وخدمات «ميناء‑إلى‑ميناء» للشاحنين.

تعزيز أمن الملاحة: شراكة تشغيلية تمنح قنوات تنسيق إضافية لحماية الخط الملاحي من تهديدات القرصنة أو الاضطراب الإقليمي.

نفوذ تفاوضي: وجود مصري في ميناء يتحكم ويحدد تجارة إثيوبيا ويمنح أوراق تأثير اقتصادية يمكن توظيفها بحكمة ضمن شبكة علاقات القرن الإفريقي.

 مكاسب اقتصادية ولوجستية

عوائد مباشرة من رسوم مناولة وخدمات الميناء (إدارة/تشغيل/استشارات/توسعة). تغذية حركة قناة السويس عبر تحسين انسياب السفن العابرة من/إلى موانئ جيبوتي.

منصات لوجستية للمصدرين المصريين في المنطقة الحرة بجيبوتي (تخزين، إعادة تعبئة، توزيع)، وتسهيل الوصول إلى أسواق شرق إفريقيا.

مكاسب سياسية وإقليمية

شراكة أعمق مع جيبوتي في مواجهة اضطرابات البحر الأحمر. وتوازن ناعم مع أدوار فاعلين آخرين (الإمارات عبر «دي بي وورلد»، الصين، الولايات المتحدة، السعودية)، بما يخدم مبدأ تنويع الشراكات.

توازن مع النفوذ الخليجي، الميناء كان تديره شركة موانئ دبي العالمية، وعندما أمّمته جيبوتي في 2018 حدث نزاع 

كبير وفقدت الإمارات السيطرة هناك. دخول مصر في المشهد قوى نفوذ القاهرة في مقابل النفوذ الخليجي-التركي-الإيراني في البحر الأحمر.

ورقة ضغط في مواجهة التعنت الإثيوبي

مصر لم تعد تكتفي بالتحرك في مسار التفاوض الدبلوماسي فقط، بل باتت تمتلك أدوات ميدانية مباشرة قادرة على التأثير في حسابات إثيوبيا ومع استمرار تعنت حكومة أديس أبابا في ملف سد النهضة، فإن ورقة دوراليه قد تتحول إلى عامل ردع وضغط سياسي واقتصادي، يجبر الجانب الإثيوبي على مراجعة مواقفه.

المخاطر والتحديات

جيبوتي أنهت امتياز «دي بي وورلد» التابعة للإمارات في 2018، وتوالت أحكام ومحاكمات دولية (LCIA/محاكم إنجلترا وهونج كونج…) لصالح «دي بي وورلد»، مع ملف تعويضات ما زال محل شد وجذب. أي دور تشغيلي جديد ينبغي أن يتجنب التعارض القانوني ويضمن تحصينًا تعاقديًا قويًا. كيف ستتعامل مع مصر مع هذا الوضع؟

توازنات القوى في جيبوتي: وجود قواعد ومصالح صينية وأمريكية (وغيرهما) يجعل أي ترتيب تشغيلي ذا أبعاد جيوسياسية تتطلب تنسيقًا دبلوماسيًا محكمًا.

المشهد الإثيوبي‑القرني: تحركات أديس أبابا لتنويع منافذها (مثل مذكرة تفاهم مع «صوماليلاند» بشأن بربرة) تخلق ديناميات تنافس على الشحنات، وقد تُفضي إلى تقلّبات أحجام تمر عبر جيبوتي.

مخاطر أمن البحر الأحمر: التهديدات للملاحة (صواريخ/طائرات مُسيّرة/قرصنة) قد تُعطّل العمليات وترفع تكاليف التأمين.

تمثل إدارة مصر لميناء دوراليه في جيبوتي نموذجاً للدبلوماسية الاقتصادية الذكية التي تمكن الدولة من تعزيز نفوذها الإقليمي والدولي في الساحات التنافسية، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف الفاعلة، في إطار استراتيجية شاملة لتعزيز المصالح القومية المصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى