مقالات

محمد ياسين يكتب: هذا ما يحدث عندما يختل ميزان الفطرة و القيم

يظل الإنسان يتجاهل القيم بالتدريج حتى يتناسى أنه إنسان فينحدر إلى ما هو أدنى، خلق الخالق الإنسان بمستوى عقلي و فكري أعلى بكثير من جميع الخلائق و جعله خليفته في الأرض ليعمرها و وضع له شريعة تقومه حتى لا يسئ استخدام ما وهبه الله له و جعل الدين حتى يتعرف على صانعه و يعرف أنه عائد إليه ليحاسبه على أفعاله مع كل ذلك جعل الله سجايا للخلق أجمعين و اقومها و أسماها سجية البشر و قد جمع الله ذلك كل ذلك بآية كريمة ” لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ” مما يعني أن الله جعله الافضل بين كل ما خلق.

لكن هنا السؤال مع كل تلك الامتيازات هل يمكن أن ينحط الإنسان من تلك المرتبة إلى ما أدناها ؟
لم يخلق الله الإنسان كاملا لذا فهناك ثغرات في عقل الإنسان تكثر و تقل حسب إدراك الإنسان و وعيه و لعل ابرز ما ميز المجتمعات البشرية مع التقدم في الزمن و التكنولوجيا هو الجهل بإدراك الإنسانية بسجاياها و قيمها، و هناك تفسيرات عديدة بدأت بتشوه المعتقدات و الفهم الخاطئ للشرائع مما حل عن الإنسان عنان الوسطية إلى التطرف و التشدد أو الانحراف و التحرر التام من كل شئ كان في المدارك ، فكانت تلك أول نتائج ذلك الانفلات هو ظهور الإنسان قاسيا بغيضا بدعوى الإلتزام ـ و هو العكس تماما من جوهر الشرائع القائم على اصلاح القلوب ـ أو عدم الإيمان الكامل بوجود خالق اساسا أو محرك حاكم لهذا الكون.

بدأ العالم فيما بعد يتجه إلى اتجاهين كلاهما سئ و هما الرفاهية اللا محدودة و الحرية المطلقة لشعوب العالم الأول المتقدم و الفقر و الصراعات في بلاد العالم الثالث، و كلامها نتج عنه نوعين من الجهل، الأول هو الجهل بالمفهوم الحقيقي للحياة مما يولد عدم الشعور بأهميتها مما يستدعي محاولة تجربة اشياء جديدة أو بالأحرى خارجة عن الفطرة فأصبحوا يتفننون في إهانة أنفسهم و التعديل بها بما يكري الخلقة التي فطرهم الله عليها فبهذه الكيفية و تلك الطريقة أصبحوا يتزوجون من الروبوت و الحيوان بل يتلذذوا بأن يعاملوا كالحيوانات بشكل حرفي و غيرها من المظاهر أو يزهقون الأنفس بدم بارد بدافع الشعور بأنهم بشر بدرجة أعلى بكثير جدا  أو التحول إلى ما بين الذكر و الأنثى أو ما بين الأنثى و الذكر، أما عن ضرب الجهل الثاني هو ناتج عن الفقر المدقع و الصراعات الأهلية و المجاعات و اللا نظام و عندما ينعدم النظام يسود قانون الغاب، يتحول الانسان إلى بدائي همجي ينتهج اللا نهج فيقتل و يسرق و يغتصب و يبيع شرفه في مقابل الحياة بالأحرى تتشوه لديه القيمة الإنسانية بتطرف غريزة البقاء في الضرورة و غير الضرورة أو الادعاء أنها السبب في ما اقترفه الإنسان من دنايا و هي درجة أدنى من الحيوانات ؛ فالحيوانات لا تعمل غريزة البقاء لديه الا للضرورة ؛ فأغلب مجتمعات الحيوان تسير حسب قواعد و قوانين؛ فالغراب مثلا يقوم بعمل المحاكمات و يصدر التشريعات في مجتمعه و لديه مقدار من العقاب طبقا لنوع الجريمة من الرغم من نقصان عقله مقارنة بالبشر.

الاستنتاج الجلي أن حتى عديد العوامل المذكورة ليست أيضا مبرر لأنه باختصار كل تلك العوامل موجودة منذ قديم الزمان و سلكوا أيضا المسالك التي تحدثنا عنها لكن على فترات و كانوا أقوام محددة وليس جميع من كانوا في نفس الظروف، إذا من المؤكد أن هناك أسباب أكثر تأثيرا.

خضعت المجتمعات لعديد التجارب تباعا منذ أكثر من ثلاثة قرون، كان سببها إدراك الدول الغازية و معها اللوبيات و التحالفات الاقتصادية أن الضعف يسبب الحاجة الدائمة حتى و لو كان الضعيف عدوك و بالتالي تكون عملية الاخضاع سهلة و بمجهود أقل و لعل من أوائل من قام بتلك العملية هي السلطنة العثمانية بدأت بتدمير السواعد الصناعية و العلمية للدول و بعدها تجهيل الشعوب التي سقطت تحت بطشها و بعدها نشرت ما يعرف بالدروشة و عرفته كوسيلة دينية و ضرب من ضروب التصوف – و ماهو بتصوف ولا وسيلة دينية – حتى تحولت تلك الشعوب من أية من آيات العلم و الثقافة إلى شعوب جاهلة تظن بالسحر و الحسد أكثر من الداء و الدواء بل و تعمدت أيضا إلى سلب الثروات حتى تظل تلك الشعوب فقيرة جائعة للتنامى لديهم نزعة التناحر بينهم لأجل الحصول على القليل الذي لا يكفي الجميع بدلا من محاولات التوحد ضدهم و لهذا مع أول عملية إحياء لعقول و قوة تلك الشعوب شن المصريين حملة ضارية بقيادة ابراهيم باشا بن محمد علي ضد جيوش الإحتلال العثماني، فاستطاعوا ببضع و ثمانين ألف من هزيمة و كسر جحافل العثمانيين حتى كانوا قاب قوسين أو أدنى من إسقاط دولة الإحتلال العثماني و على نفس الشاكلة فعلت كل الدول الغازية حتى حطموا الإدراك عند الشعوب التي كانت منتجة مثقفة و عظيمة.

لكن هل الدولة الغازية ستقف عند هذا الحد أم ستحاول أن تضعف بعضها البعض؟

محاولات أضعاف الدول الغازية لبعضها البعض عن طريق الغزو المباشر و من بعد الاضعاف ستدمرهم جميعا لذا فقد سلكوا طرق أخرى تلك الطرق كانت من مصلحة اللوبيات لذا فكانوا من دعم تلك الخطط و لعل أبرز الأمثلة هي المانيل، لا يخفى على أحد أن ألمانيا كانت طرفا في الحربين العالميتين الأولى و الثانية كانت القوة الحقيقية للألمان في العقلية فائقة التقدم فكان الحل لديهم أولا في تحويلها إلى مستنقع جاهل فقير و قسموا الدولة إلى قسمين واحد تحت الانتداب السوفيتي و الثاني تحت الانتداب البريطاني الأمريكي الفرنسي لكن سرعان ما أدركت أوروبا فجوة كبيرة في جسدها الصناعي اضطرها إلى كسر قيد الابتكار و الصناعة فقط في المجالات التي تخدم مصالح الغرب مع تحييد القوة العسكرية و كان ضمانهم في تحويل الأجيال الجديدة إلى أجيال بشخصيات و ثقافة هشة حتى تحول الفرد الألماني من آلة فتاكة في الحرب قبل السلم إلى مصنع ينتج للغرب ما يحتاج و بدلا من أن تكون دولة مهيبة أصبحت مطمع للروس و غيرهم بمعنى أشمل تم تدمير الهوية الألمانية.

و هنا تستطيع أن تستنتج أن اختلال القيم قائم على تدمير الهوية الدينية و الوطنية للشعوب فإن انسلخ الإنسان عن جذوره  أصبح تخليه عن أي شئ بعد ذلك سهل لذا فقد وضح جليا أنه كل ما آلت إليه الإنسانية من فعل الإنسان و ليس فطرة كما يدعوا.

اخيرا ، يكمن الحل أعداد الأجيال الجديدة لحماية أنفسهم و بالتالي حماية أولادهم في المستقبل فتنشأ أسر جديدة بمفاهيم و قيم قويمة  مع عدم إهمال أرباب الأسر و كبار السن بخصوص تلك المسألة ؛ بالفعل من الصعب أن تغير أفكار رجل عاش عمر على فكر معين لكن الخطر الوجودي المحدق يستحق بذل الجهد لحماية المجتمع و اعادة تقويم الفائدة فيه.

و تذكر أن انهارت القيم و تغيرت الفطرة أصبح الإنسان كما الحيوان بل من الممكن أن يكون أدنى فحتى الحيوانات لديها ثوابت و قواعد و قيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى