مقالات

محمد ياسين يكتب: غزو الوعي.. عندما تتحول الشعوب إلى بارود اعدائها

يظل الجسد قويا صلبا حتى يصاب بالسرطان فيكون الجسد غير قادر على أن يميز بين ما فسد من خلاياه و السليم منها عندها ينهار من تلقاء نفسه دون رصاص أو سيف؛ فلو كانت الخلايا تعي ما يجاورها من خطر يحولها نفسها إلى خطر على حاويها و حاضنها لما انهار الجسد دون تدخل.

يعد مستوى الوعي الجمعي أحد أبرز ما يضمن بقاء الدول حية متماسكة غير قابلة للاختراق من الداخل لكن ترى هل يمكن أن تموت البلدان.

الدول كما كل شئ في الدنيا يمرض و يضعف و يقوى و يشتد طبقا لظروف و عوامل معينة لكن يظل الرهان على نسيج البلدان- الشعوب- فلو تفكك النسيج المكون لجسد البلد فهل يمكن أن تحيا البلد بجسد متحلل! لذا من هذا المنطلق يكون بيت القصيد في تدمير أي دولة قوية سيكون تبعات غزوها مدمرة لغازيها كما لها. فيكون الحل الأمثل هو جعل البلد المستهدف يتآكل من الداخل حتى يصبح هش لا يحتاج لحملات و جيوش بل يتكفل شعب تلك البلد بتدميرها و تدمير نفسه.

يبدأ العدو في اختبارات بسيطة في البلد المراد استهدافها بالغزو أو الإضعاف، و يكون القياس الأول لوعي الشعوب هو الشائعات و مستوى وقوع العوام في شراكها، ففي تسعينيات القرن الماضي ظهرت شائعة مجهولة المصدر أن الفنان المصري محمد صبحي مسيحي، و كان المتوقع السخرية من الخبر وعدم انتشاره أو تصديقه فاسمه ـ محمد ـ لكن سرعان ما انتشر الخبر كالنار في الهشيم ما دق ناقوس الخطر و بعدها توالت الشائعات مجهولة المصدر.

  كان ذلك في عصر الجرائد و القنوات الأرضية أي قبل دخول الإنترنت مصر بنحو ١٥ عام.

ومع انتشار الجهل و التخلف في المجتمع إضافة إلى الأزمات الاقتصادية أصبحت بيئة خصبة لدس السم في العسل و تلحفت الإمبريالية برداء الدين و رداء الخير و نصرة المظلوم وتارة أخرى برداء الليبرالية و الحريات و بدأوا في تشويه الوعي بطريقه ـ حرام و حلال ـ من جهة و من جهة أخرى إقناع المجتمع بأنه مقيد بلا راي أو أهمية و إرساء مفاهيم خاطئه عن الديمقراطية، فقام المتسترون خلف رداء الدين بتحويل الطُهر المقدس إلى أداة لكسب مساحة في عقول البسطاء بما يخدم مصالحهم بإسقاطات و فتاوى في غير موضعها و تفسير في غير محله خدمة لمصلحه فئات تريد الانقضاض على السلطة و تنفيذ ما تم صنعهم لأجله، مع تدعيم عوامل إشعال التعصب و الضغينة بين أبناء القبائل أو الطوائف أو الشرائع و بنفس الشاكلة تقوم أيضا نفس الجهات الموجهة و الداعمة مثلا لعملائها في درب الدين الممثل للأغلبية بدعم و توجيه عملاء لهم في الفئات أو الديانات التي تمثل الأقلية بإشعال دعم عوامل الفتنة، باختصار ؛ يقوموا بصناعة إصدار من كل ديانة و فئة و طائفة يكون وظيفته الشحن تجاه باقي الطوائف التي لا تنتمي إلى طائفته أو دينه كل هذا مع محاولات المتسترين خلف ستار المساواة و الحريات إقناع كل فئة بأنها مضطهدة لا تحصل على حقها الكامل في الحرية و أن الديموقراطية هي الحرية المطلقة بلا رقيب أو حسيب، بهذه الطريقة يصنعوا دائرة من الشحن و الطائفية يكون هدفها النهائي اقتتال طائفي داخلي يؤدي إلى انهيار البلد من الداخل و تقسيمه.

في نهاية العقد الأول من القرن الحالي كان الإنترنت قد انتشر في العالم كله متقدم و متخلف فكان هذا الفضاء المفتوح الغير قابل للرقابة قبلة لكل سفيه لنشر سفاهاته التي تضرب عقول الشباب و البسطاء في دول العالم الثالث- بعد أن تم تشويه عقول تلك الشعوب في مرحلة ما قبل الانترنت، بل و يدعمون كي يستمر و يكبر لإضفاء أكبر من الكري في عقول الشباب في كل ربع كان في ريف أو مدن.

و لعل أول تحقيق المستهدف هو إدخال الشعوب في حالة من الارتباك و التوتر و عدم الثقة الدائم في أي شئ و كل شئ حتى في رجال الدين الرافضين للانصياع وراء المتسترين في رداء الدين حتى ولو كان ضريبة ذلك سمعتهم أمام شعوبهم التي سيُطعَن بها.

بعد تلك المراحل يظل هناك مرحلة أخيرة لإطلاق رصاصة الرحمة على وعي الشعوب هي إقناعهم بأن المشكلة في بلادهم في حد ذاتها و أن الحل في تدمير أواصر الدولة و أركانها كلها ليس فقط بل القضاء على كل من يقف عقبة أمام ذلك ولو كان الأب أو الأخ، ليس فقط بل و تدمير من لا يوافقهم في الدين أو الأيديولوجية حتى ولو كان ملتزم الصمت الخائف و عليه فإن رأيت بلد وصل لتلك المرحلة تأكد أنه لم تعد هناك دولة ولا حتى شعب و أن المسألة وقت قصير جدا و تكون هذه الدولة ماضي بشكل حرفي و أن هناك قوى أخرى ستكون هذه البلد جزء منها أيضا بشكل كامل.

و انه أيضا سيكون مستقبل ذكورها مرتزقة أو مواطنين درجة ثانية في بلدهم و أن نسائها سيكونون مسرح الانتهاك و بعدها يصرن مجرد  جزء من تجارة الرقيق الحديثة المنتشرة في هذا الزمان عبر الإنترنت أو هاربات إلى دول الجوار بأطفالهن فينشأ اجيال جديدة لا يعلمون شيئا عن تلك البلد إلا كان يا مكان.

لكن هل من حلول قبل ذلك الخراب الجارف؟

يكمن الحل في الشعب ذاته؛ حيث ينبغي على الشعوب- حتى و إن كانت جاهلة محدودة التفكير تعرضت لتشويه فكري ممنهج – أن تهدأ و تتريث قبل أي خطوة انفعالية و يبدأوا بسؤال أنفسهم لماذا و لمصلحة من و ما نتائج ذلك؟

كل تلك الأسئلة لا تحتاج شخص مثقف أو حتى محدود الفكر لأنها مبنية على أمر واقع و تجارب من حولهم أو تجاربهم الشخصية في حد ذاتها فإن فعلوا ذلك سيصلوا إلى نتيجة واحدة أن الأوطان – حتى لو تم تشويه الوطنية في نظرهم – سفينة أن غرقت لا ينجو من راكبيها أحد و إنما يعد الخونة و اللصوص و المقامرين بالأوطان قارب نجاه لا يسع إلا ما جمعوا من منهوبات أو أجر خيانتهم و يضيع في النهاية أهل السفينة جميعا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى