الأخبار

محمد ياسين يكتب: عقول الشباب.. بين صراع الأيدولوجيات و صدمة التضاد الثقافي

فلربما كان أكثر ما يكري صفو المرحلة السابقة، بدايةً من مرحلة الإنفتاح الأكبر أوائل سبعينيات القرن الماضي و إنتشار الأيدولوجيات اليمينية المتسربلة بالتطرف أو تلك التي تتخذ مسار اليسار بين التحرر السلمي أو الراديكالية الهدّامة و كما يُقال دائما أن الشباب كالوقود سريع التفاعل بكل ما يحيطه إما بالإشتعال أو الإندثار بين ذرات الهواء؛ لذا فهو دائماً رقم المقامرة الذي يسعى إليه أصحاب الأيدولجيات .
عادة ما يكون من طباع الشباب التمرد على ما يفرضه عليه مجتمعهم؛ بدافع إثبات الوجود و ترصين الثقة بالذات؛ تلك الخصلة هي منطلق عمل أصحاب الأيدولوجيات فيكون عقل الشاب الصغير الفارغ من أي أفكار و المملوء بالنشاط و الحماس و الفضول في استكشاف حقل جديد غير الذي ينحصر به مَن حوله و من هنا نعي ببداية مترتبات من شأنها أن تكون صاحبة آثار غير مأمونة على الأجيال الجديدة .
بداية مرحلة الإنفتاح كانت بمثابة جرعة زائدة من الضغوطات الفكرية المتلاحقة على عقل الشاب خصوصاً مع انتشار التيارات السياسية و الإجتماعية المتضادة فكان الشاب في تيه فكري شديد بين الانبهار بحضارات الغرب المتقدم و التي ربطها رواد تلك الأيدولوجية بالتخلي شبه الكامل عن العادات و التقاليد المجتمعية القديمة أو الدخول في تيارات تربط الإنصياع لها و لأفكارها بالإيمان و دخول الجنة و الإستقامة و تربط عصيانها أو رفضها بالخروج عن الدين و هنا يبدر للأذهان انتشار ظاهرتين في تسعينيات القرن الماضي و هما انتشار أفكار الجماعات المتطرفة بين شباب الريف و الأقاليم و انتشار جماعات عبدة الشيطان في القاهرة و الاسكندرية والتي تطلبت مجهود بالغ من الدولة المصرية للتصدي لهذين المسارين المنحلين .
كل تلك النزاعات الفكرية أدت في النهاية إلى وصول الشباب بداية الألفية الثالثة إلى مجموعة متناقضة من الأفكار المتناقضة المجموعة في بوتقة العقل مما أوصلهم إلى مرحلة أكثر حدة من التمرد و الاكتئاب و التطرف حتى على الثوابت التي لا نقاش بها كحب الوطن أو الالتزام الديني و الأخلاقي و إن تتبعنا المسار الزمني سندرك أن هناك أطراف خارجية تسعى جاهدة لنشر تلك الأفكار لجعل الشاب بدلاً من سلاح يردعهم عن تحقيق أهدافهم الخبيثة إلى عروس ماريونت يحركوها كما تقتضي مصلحتهم؛ فنجحوا في تبديل رغبة الكثير من الشباب من السعي لرفعة البلاد و استعادة الأمجاد إلى الرغبة في الهجرة اعتقاداً أن الخارج هو يوتوبيا كبيرة و بدلاً من حب الحياة إلى الرغبة في التخلص منها غير آبهين بالعواقب الدينية لذلك .
الضغوط في الحكمة الشهيرة تخلق انسان قوي؛ لكن كثرة الأحمال تؤدي الى الانهيار و هنا لا نتحدث عن الانهيار بالمعنى الحرفي؛ فقد توجّه الشاب تجاه المخدرات تارة و الإباحية تارة و الانتحار أو الإقدام على فعل شنيع تارة أخرى كمحاولة لبقر تلك الهالة التي تضنيه نفسياً و جسدياً .
قد أرى تعجب و صاعقة أرباب الأُسر من كثرة ظواهر الإلحاد و الأفكار الشاذة عن الفطرة من جهة و من جهة أخرى انحدار الشاب إلى هاوية الجماعات الإرهابية و من جهة انحدار الشاب أخلاقيا، لكني أرى أن ذلك ما هو إلا نتاج الفراغ الفكري الذي أهمل المجتمع ملئه بما ينفع المجتمع و الوطن فما كان من الشاب إلا البحث عن أي شئ يملئ هذا الفراغ؛ فأصبح تارة يُخدَع الشباب باسم الدين و تارة أخرى باسم الحداثة والتمدين و الحرية، فنرى ما نراه الآن في الأوساط المجتمعية المختلفة .
يكمُن العلاج و الحل في تدريب و تربية الشاب منذ صغره على كيفية انتقاء السبل القويمة و الأفكار السليمة و التشاور معهم منذ الصغر كتدريب على كيفية الاختيار و اتخاذ القرارات، والتدريب على التفكير النقدي، وتوعيتهم إلى أن القيم الفضيلة كما الوطنية ليست قدامة أو سير في درب القطعان؛ بل شرف وعزة، و أن الدين ليس أداة لبسط السيطرة عليهم و تقويدهم؛ انما لإرشادهم و مساعدتهم على الاستقامة و السمو فكرياً و أخلاقياً، و أنه ليس هناك شئ بلا حدود بل لكل شئ حدود، حتى الحريات؛ فحدودها المعرفة و الدين و عدم الضرر بالآخرين و البيان.
أخيراً.. الشباب هم سواعد الحاضر و نواظر المستقبل فلا عمل بلا سواعد ولا رؤية بلا نواظر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى