أمجد الفقي يكتب: مشكلات الدراما و المجتمع بين معضلتين.. هل الدراما تجسيد للواقع أم الواقع هو مخرجات للدراما؟

الحقيقة.. أن مشكلات المجتمع قد تكون موجودة لكنها تظل في الغالب محصورة و غير مشاعة لتأتي الدراما و تحولها إلى مشكلات مشاعة و مذاعة فتغذي المجتمع بمزيد من القبح من خلال ضربات متلاحقة تهتك بها ستر المجتمع و تكشف سوءاته و بينما هي كذلك ، تجد الحبكة الدراما تدس سمومها و تزرع الشرور و تأصل لها بل إنها تخلق المبررات لهذا السلوك ، و في خضم كل ذلك يضيع الخير و تغيب الإيجابيات التي مازالت موجودة في المجتمع لكنها عن عمد لا تعرض على الشاشات لتظل مجهولة و مجهلة، و هكذا تسعى الدراما
عاما تلو الآخر لوأد القيم و هدم المجتمع، و حينما توجه لها أصابع الاتهام تجدها تتوارى متبجحة خلف حرية الإبداع و تعلن أنها بريئة من ذلك كونها مجرد مرآة للواقع!.
و الآن فقد أصبحت القوة الناعمة المصرية أسيرة للإبتذال و القبح و باتت لا تكف عن ارسال رسائلها المتتالية لصناعها و جمهورها بالاستغاثة لفك قيودها
و استحضار ماضيها المجيد الذي أثر في العالم العربي
اجمع و جعلها زائرا مرحبا به في كل بيت عربي فنحن
مازلنا لم نفقد عناصر تميزها و لكننا فقدنا بوصلة تأثيرها الإيجابي في المجتمع و اتجهنا إلى طريق
مظلم لا فن فيه ولا ابداع حقيقي.
في الماضي القريب كانت الدراما تناقش قضية مجتمعية لإصلاح العوار فيها تعالج كمشرط جراح
ماهر ، كما كانت تدور حول صراع بين حق و باطل و تنتهي بحسم الصراع لجانب الحق فتضرب المثل و تترك الأثر الطيب في نفوس المشاهدين.
أما اليوم فقد فقدت الدراما قيمتها و أصبحت تدير صراعها بين باطل و شر ؛ فأيما كان المنتصر ؛ فالنتيجة مخزية و الخاسر الوحيد فيها هو المشاهد خسرانا يخصم من قيم الحق و العدل و الجمال في نفسه و يطرحه مفقودا بين ما شاهد و سمع من فوضى تتحكم و بلطجة تتسلط و فاحشة تتسيد و عبارات قبيحة تتردد.
و الحل هو تفعيل دور الرقابة الحازمة لفرز الأعمال الفنية قبل عرضها على الجمهور و وضع رؤية متكاملة لإنقاذ الأعمال الفنية من هذا الإنحطاط و استهداف كل القيم التي من شأنها تحصين الوعي الجمعي للمجتمع و استنفاره ضد الأخطار التي تحيط به
و تعيد زرع المقاصد الدينية النبيلة و المعاني الإنسانية السمحة و تبث الروح الوطنية التي
تحمي و تبني و تتمسك بالوطن و تحترم الاعراف
كما تحترم القانون وهو ما يعد أمنا قوميا وجب على الدولة حمايته بشتى الطرق للدفع بهذه الصناعة نحو التقدم و استعادة قوتها الناعمة التي كانت و مازالت سلاحا فعالا لا يمكن التنازل عنه خاصة في ظل حروب الجيل الرابع و التي تعتمد بالأساس على
خلخلة المجتمعات من الداخل كما ينبغي تصحيح مفهوم حرية الإبداع إعمالا لمبدأ الفيلسوف جون ستيوارت في كتابه عن الحرية “انت حر مالم تضر”.