تقاريرسلايدرمعرفة

لماذا حنّط المصريون القدماء القطط والكلاب والتماسيح؟

إعداد: بسنت عماد

لم يكن التحنيط في مصر القديمة مقتصرًا على البشر فقط، بل امتد ليشمل الحيوانات التي ارتبط بها المصري القديم وجدانيًا وعقائديًا.

فمن القطط الأليفة إلى التماسيح المقدسة، ومن القرابين الغذائية إلى المومياوات النذرية والمزيّفة، يعكس هذا التنوع مكانة الحيوان في حياة المصري القديم، ودوره كشريك أبدي في رحلته نحو الخلود.

ومع التطور العلمي الحديث وتقنيات التصوير المقطعي (CT)، تمكن علماء الآثار من كشف أسرار مذهلة خلف لفائف الكتان، فأعادوا إحياء عالم مومياوات الحيوانات بتفاصيله الدقيقة.

الحيوانات الأليفة

كانت القطط والكلاب والحيوانات الأليفة الأخرى تحظى بمكانة خاصة في بيوت المصريين القدماء.

وعند موتها، كان أصحابها يحنطونها بدافع الوفاء والحب لترافقهم في الحياة الأخرى. بعض هذه المومياوات وُضعت في توابيت مزخرفة، ومعها قرابين مثل طعامها المفضل أو أطواقها وسروجها.

القرابين الغذائية

إلى جانب الحيوانات الكاملة، كان المصريون يحنطون قطعًا من اللحوم أو الدواجن لتكون طعامًا للمتوفى في العالم الآخر.

كانت هذه الأجزاء تُلف بالكتان وتُحفظ داخل أوانٍ أو سلال، وأحيانًا تُغطى بالراتنج الساخن لتبدو كأنها لحم مشوي.

الحيوانات المقدسة

ارتبطت بعض الحيوانات مباشرة بالآلهة، مثل العجل “أبيس” والتمساح “سوبك” والكبش المرتبط بخنوم ومنديس.

كانت هذه المومياوات تحظى بدفن فاخر ومراسم دينية خاصة، باعتبارها تجسيدًا حيًا للإله على الأرض.

القرابين النذرية

كان المصريون يشترون مومياوات حيوانات من المعابد لتقديمها كهدايا للآلهة.. من أبرزها القطط المكرّسة للإلهة “باستت” وطائر أبو منجل المخصص للإله “تحوت”؛ ترافق تقديم هذه القرابين صلوات وابتهالات طلبًا للبركة أو المغفرة.

المومياوات المزيّفة

أحيانًا كان الكهنة يعدون لفائف كتانية فارغة أو تحوي عظامًا متناثرة أو طينًا، لتباع كقرابين عند ندرة الحيوانات. ورغم كونها “مزيفة”، إلا أنها كشفت عن بعد اقتصادي وتجاري في الممارسات الدينية.

كيف كان يتم تحنيط الحيوانات؟

اتبع المصريون القدماء في تحنيط الحيوانات الأسلوب نفسه الذي استخدموه مع البشر، لكن مع بعض التعديلات البسيطة.

فغالبًا ما كانوا يتخلصون من الأحشاء قبل التحنيط للحفاظ على الجسد أطول فترة ممكنة.

أما طريقة موت الحيوان فكانت تختلف حسب الغرض من تحنيطه؛ فالحيوانات النذرية كانت تُربى خصيصًا ثم تُذبح لتُقدَّم كقربان للآلهة، بينما كشفت الدراسات الحديثة عن مومياوات لقطط وطيور أبي منجل تحمل آثار كسور في الجمجمة أو التواء في الرقبة، ما يرجح أنها قُتلت عمدًا ضمن الطقوس.

وفي حالات أخرى، كانت بعض الحيوانات تموت طبيعيًا فيُحنطها أصحابها حبًا ووفاءً لها.

أمثلة من أبرز المومياوات الحيوانية

القطط

ارتبطت بالإلهة “باستت”، وكانت من أكثر الحيوانات تحنيطًا. عُثر على مومياوات قطط برؤوس مطلية وعيون مرسومة بدقة، وأخرى ملفوفة بكتان منسوج في أنماط زخرفية من العصر الروماني.

الكلاب

ارتبطت بالإله أنوبيس ذي رأس ابن آوى. اكتُشفت مومياء كلب برأس منمق ووجه مغطى بكتان بني غامق مع عين مرسومة، بينما لُف الجسد بالكامل بضمادات دقيقة.

التماسيح

من أروع الاكتشافات تمساح ضخم بطول 3.8 متر من كوم أمبو بأسوان، محنط مع أكثر من 20 تمساحًا صغيرًا على ظهره، ومغطى بطبقة من الراتنج الأسود.

البابون

عُثر على مومياء قرد صغير جالس وملفوف بكتان في معبد خونس بالكرنك، تكشف أجزاؤها المتآكلة عن الفراء. وقد ارتبط البابون بالشمس وربما بالإله “تحوت”.

الكباش

في طيبة، وُجدت مومياء كبش بقرون بارزة، ملفوفة بالكتان ومطلية بملامح دقيقة للعيون والوجه، باعتباره رمزًا مقدسًا للإله خنوم.

الطيور

منها الصقر المرتبط بالإله “حورس”، المحنط بلفائف كتان مع غطاء رأس برونزي، وأبو منجل الخاص بالإله “تحوت”، الذي كُفّن بكتان منسوج بزخارف دقيقة مع تمثال لنفرتوم في المقدمة.

ختاماً.. لم يكن الحيوان في مصر القديمة مجرد كائن حي، بل كان جزءًا لا يتجزأ من المنظومة الدينية والاجتماعية.

فهو صديق وفيّ، وقربان غذائي، وتجسيد لإله، وهدية نذرية، وأحيانًا حتى وسيلة تجارية. وهكذا، ظل الحيوان حاضرًا في حياة المصري القديم ومماته، شريكًا في رحلته الأبدية نحو الخلود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى