
متابعة: رحمه حمدى
ذكرت وسائل إعلام عبرية أن إسرائيل تُوسع نطاق جهودها الدبلوماسية العامة والتأثير الرقمي بشكل غير مسبوق، حيث تجمع بين الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة وحملات المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب تنفيذ عمليات تأثير رقمي متطورة خلال فترات الصراع. تمثل هذه الجهود جزءاً من استراتيجية متكاملة تهدف إلى تشكيل الرأي العام العالمي وخاصة بين الشباب، ومواجهة الانتقادات المتزايدة، وتعزيز الرواية الإسرائيلية.
الحملة الدبلوماسية الرقمية: استثمار ضخم وأهداف طموحة
أطلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية واحدة من أكثر حملاتها الدبلوماسية العامة طموحاً في الولايات المتحدة منذ بدء الحرب على غزة، وذلك في إطار مبادرة أوسع تُسمى المشروع 545، والتي خصصت لها الحكومة الإسرائيلية 545 مليون شيكل، أي ما يعادل 145 مليون دولار. وتكشف الوثائق الرسمية أن إسرائيل تعاقدت مع شركة كلوك تاور الأمريكية لإدارة حملة وطنية في الولايات المتحدة لمكافحة معاداة السامية والتأثير على الخطاب الإلكتروني.
التأثير على أنظمة الذكاء الاصطناعي
يتمثل أحد أكثر جوانب الحملة تطوراً وتثيراً للجدل في مبادرة تهدف إلى التأثير على كيفية استجابة أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وGrok وGemini للاستفسارات حول إسرائيل والقضايا ذات الصلة. تعمل هذه المبادرة، التي يطلق عليها الخبراء اسم تحسين محركات البحث التوليدي، على إنشاء مواد إلكترونية مصممة لتشكيل البيانات المستخدمة في تدريب النماذج اللغوية الكبيرة، مما قد يؤثر على طريقة عرض هذه الأنظمة للقضايا المتعلقة بإسرائيل.
حملات المؤثرين والاستهداف الديموغرافي
إلى جانب ذلك، تعمل إسرائيل على توسيع نطاق تواصلها من خلال المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تهدف إلى أن يكون ثمانون بالمئة على الأقل من المحتوى المنتج مصمماً خصيصاً لجمهور الجيل زد عبر منصات تيك توك وإنستغرام ويوتيوب. وقد تجلى حجم هذا الجهد من خلال لقاء جمع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعدد من المؤثرين المؤيدين لإسرائيل في القنصلية الإسرائيلية بنيويورك، حيث وصف وسائل التواصل الاجتماعي بأنها أهم سلاح اليوم.
عمليات التأثير الرقمي خلال الصراعات: دراسة حالة حرب إسرائيل وإيران
تكشف دراسة بحثية حديثة عن نمط متطور من عمليات التأثير الرقمي التي زعم أنها وقعت خلال الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران في يونيو 2025. وفقاً للباحثين، قامت شبكة تضم أكثر من خمسين حساباً وهمياً على منصة إكس، المعروفة باسم بريزون بريك، بشن حملة منسقة مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف تحريض الرأي العام الإيراني ضد النظام.
العمليات الميدانية والتأثير الرقمي المتناسق
بلغت هذه الحملة ذروتها بالتزامن مع القتال العنيف بين إسرائيل وإيران، حيث بلغت ذروتها الرقمية في اليوم الثالث والعشرين من يونيو 2025، أي قبل يوم واحد من الإعلان عن وقف إطلاق النار. وقد تزامن ذلك مع قيام سلاح الجو الإسرائيلي بقصف سجن إيفين في طهران، وهو المنشأة المعروفة بإحتجازها عدداً كبيراً من السجناء السياسيين. وبعد دقائق فقط من الضربة الجوية، نشرت الشبكة فيديو مفبركاً باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يظهر إصابة مباشرة لمدخل السجن، ودعت سكان طهران إلى التظاهر أمام السجن.
استراتيجيات متعددة الجبهات لزعزعة الاستقرار
لم تقتصر أنشطة الشبكة على موضوع السجن فقط، بل عملت على زعزعة استقرار المجتمع الإيراني على عدة جبهات. شملت هذه الأنشطة حث الإيرانيين على سحب أموالهم من أجهزة الصراف الآلي، ونشر مقاطع فيديو معدلة تظهر طوابير طويلة أمام البنوك، وإحياء حركات احتجاجية رمزية، وانتحال صفة وسائل إعلام موثوقة لنشر معلومات مضللة حول فرار مسؤولين إيرانيين.
الدلائل التقنية والاستنتاجات
عززت المؤشرات التقنية من تقييم الباحثين بأن هذه الحملة لم تكن إيرانية المنشأ، حيث تم جدولة المنشورات خلال ساعات العمل الرسمية في إسرائيل، ونشرت بشكل رئيسي عبر أجهزة الكمبيوتر بدلاً من الأجهزة المحمولة، مع استخدام واسع النطاق لأدوات الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يمتنع التقرير عن نسب الحملة بشكل قاطع إلى إسرائيل، معترفاً بإمكانيات بديلة تشمل مجموعات إيرانية معارضة أو حتى المخابرات الإيرانية نفسها.
تمثل هذه العمليات مجتمعة مشهداً متطوراً لعمليات التأثير الرقمي في الصراعات الحديثة، حيث تندمج تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة مع العمليات النفسية التقليدية، وتتكامل الجهود الدبلوماسية العلنية مع حملات التأثير الرقمي الخفية. يُبرز هذا التوجه أهمية فهم هذه الظواهر المتشابكة وتحليلها في سياقها الشامل، خاصة مع تزايد اعتماد الدول على هذه الأدوات في تشكيل الرأي العام وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.