
الدين هو أقدس المعتقدات، و الشرائع هي الطُهر الماحي لدنس البشر و العنان الملجِّم للنفوس المريضة لكن ماذا لو حاولت تلك النفوس استخدام الشرائع في غير محلها مستغلين جهل العوام بها؟!
عندنا نتحدث عن الزواج بشكل عام فهو سنة سنها رب العالمين فيهم و جعلها الوسيلة و المسبب لتكاثرهم ليس فقط بل و كل الكائنات متقدمة البنية و في كل زمان و بيئة تختلف البنى الجسدية و الفكرية للبشر بما يؤثر تباعا على عملية البلوغ الجسدي و العقلي و تباعا على شرعنة العلاقة و منطقيتها بين الذكر و الانثى.
فمثلا لا يمكن قياس الصفات الجسدية و الفكرية لشخص نشأ في بيئة مليئة بالحروب و الطقس القاسي بشخص ترعرع في بيئة رفاهية فنجد في عصور ما قبل العشر قرون كان الفتى في خلال سن الحادية عشرة يتأهل ليكون مقاتل في صفوف الجيش و الفتاة ربة منزل و لربما تكون قد أنجبت، و كان هذا طبيعيا وسائدا وقتها لكن مع مرور الوقت بدأت البنية الجسدية و العقلية للإنسان تتغير فالفتى ذو العقد و يزيد الذي كان يمسك بحربة و درع ليتدرب على القتال و ما أن يبلغ يكون آلة حرب فتاكة لكن إذا ما قورن بالعصر الحالي فالفتى في نفس العمر لا يملك إلا أن يتعلم أو أن يعمل مساعد في مهنة إن كان من أسرة معدمة، و الفتاة تكون لا زالت تلهوا بعقل بريئ و عقل ساذج غير قادر على استيعاب فكرة البيت و الزواج – إن افترضنا أنها تتحمل جسديا الجماع اساسا – و هنا يأخذنا الرد على الفقرة التالية.
عندنا تبدأ في نقاش حول الزواج المبكر ستجد أن شريحة كبيرة من أهل الريف و البدو يرددوا مقولة ” أن رسول الله تزوج ام المؤمنين عائشة في عمر التاسعة و قام بخطبتها في السادسة ” و سيحاول أن يقول إنه شرع يضمن كل مكان و زمان من الرغم أن شرعنة الزواج من عدمه قائمة على التشكيل البيئي أي تشكل الفكر و الجسد و الشخصية معا و ليس بحيض الفتاة فقط.
لكن عندما تقيس له نفس المقياس على الذكور مثلا في الحروب و قلت له إذا أرسل ابنك للانضمام للجيش كما فعل الرسول، و أرسل في نفس سياق الزمن أسامة بن زيد متقدم صفوف القتال في الثالثة عشرة سيقول كيف لولد في ذاك العمر أن يحمل بندقية و يرتدي خوذة و درع و أنه لن يتحمل الحياة العسكرية في ذاك السن و أن الزمن غير الزمن و البيئة غير البيئة و أنه لا مقارنة بين هذا و ذاك.
لكن ما السبب الجوهري في التمسك بتلك العادة؟!
سبب البيئة أصبح غير منطقيا في هذا الزمان حيث أن الإنسان مع مرور الزمن تغيرت طبيعته البيولوجية و انخفضت قدرته على التحمل إضافة أن المدارك العقلية أصبحت أقل تطورا مقارنة بالعمر عن ذي قبل – قبل قرون – ؛ لذا، فإننا نتجه الى احتمالات بعيدة عن السواء النفسي و لعل أهمها البيدوفيليا و هو مرض اشتهاء الأطفال، يكمن المخرج لمريض البيدوفيليا في إيجاد حجة ينال بها مراده و لا أكثر من الزواج حجة، ففي مدارك أهل الطفلة أن الزواج سترة للفتاة مهما كان عمرها و عادة ما يكون أهل الفتاة فقراء يبتغون المال فيكون من وجهة نظرهم المال و السترة معا حلا مثاليا و فرصة لا تعوض و بالتالي يتم الزج بالطفلة في جحيم لا طاقة لها به؛ و بالفعل الشريحة الكبرى من مريدي زواج القاصرات يكبروهن بأضعاف عمرهن و لديهم ملاءة مالية كبيرة و هنا يتكون معتقد مشوه آخر أنه من تزوج صغيرة دام شبابه، و هذا لا يعني أن زواج القاصرات مقتصر على فوارق العمر و المال الكبيرة فستجد أيضا رجال فقراء يتزوجن صغار و لربما ليسوا عجائز ولكن يكفينا أن فارق العمر ربما يفوق عقد بمثله معه.
لعل الجهل إذا و المرض و الفقر أبرز الأسباب لكن ما نتائج كل هذا العبث؟!
منذ بضع سنين حدثت حادثة هزت أركان المجتمع المصري.. انتحار فتاة تبلغ من العمر سبعة عشر عام مع رضيعتها بعد جلاء الستر عن قضيتها بعد محاولات من أسرتها للتكتم على الحادثة ليتضح أن تلك الفتاة تزوجت قبل سنوات من الحادثة و حدثت مشاكل بين أسرة الفتاة و زوجها و كما نعرف أن في تلك الحالات أن زيجات القُصَّر تتم عرفيا – لأن القانون يعاقب على تلك الزيجات بجريمة الإتجار بالبشر – فاستغل الزوج ذلك و قرر عدم تسجيل الفتاة بإسمه و ظلت الطفلة بلا قيد مما أضطر الأم المراهقة أن تتخلص من حياتها و رضيعتها، بالتالي من خلال التجربة نعي بالنتائج بأن الفتيات من الممكن أن يكن مطلقات على أكتافهن أطفال قبل حتى أن يعوا معنى الأسرة و الأمومة فهل بهذا تحقق الستر؟!
إضافة إلى عدم وجود غطاء شرعي للطفلة و طفلها مما يجعل استغلال الزوجة الطفلة سهلا دون إثبات واضح على ماهية العلاقة بل يتم ابتزاز أهل الطفلة تباعا حيث أنه إن حاول إبلاغ الدولة بالطبع سيأتي حق الطفلة لكن سيكون في المقابل سجنه بتهمة الإتجار بالبشر إضافة إلى أثر كارثي على المجتمع حيث كثرة الأسر المفككة و عدم وجود تربية أو بيئة سوية للنشأ – أم و أبناء في تلك الحالة – يؤدي إلى مجتمع مليئ بالقرح التي مع كثرتها تهلك نسيج المجتمع أو تشوهه على أقل تقدير بالسرقة و الدعارة و الفقر و الجهل و المرض.
لكن هل من حلول؟
كانت ولا تزال التشريعات و القوانين و عصا الدولة تعد أمثل الحلول لكن ينبغى رفع سقف العقوبات مثل عدم شريعة الأطفال مما يزيد من ترهيب مرتكبي تلك الفعلة، إضافة إلى عقوبات أخرى مثل دفع تعويض كبير من زوج الطفلة إلى الطفلة بالقدر الذي ينتج عنه صعوبة تحصيل تلك التعويضات بالتالي سيفكر مرات عديدة قبل الإقدام على تلك الخطوة، و يظل التأهيل الفكري و الديني للأسر في البيئات الخصبة لعوامل انتشار تلك الظاهرة بما يجعل لديهم القدرة الكافية من المعرفة بمخاطر تلك الخطوة.
أما عن من عانوا من تلك الجريمة فيكون إعادة تأهيلهم واجب حتى يتم إصلاح و لو جزء من ما تم كسره بداخلهم ليتسنى لهم أن يعودوا اسوياء كما كانوا قبل تلك التجربة.