
أستاذة بجامعة القاهرة تروج لفكر الأفروسنتريك من خلال رسالة بعنوان “الفرعونية” في الفكر السياسي للشيخ أنت چوب: دراسة في الهوية الإفريقية لمصر
في شهر نوفمبر الماضي منحت مؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة، جائزة بطرس غالي للسلام في الدراسات الأفريقية لعام 2024، إلى الدكتورة إيمان عبد العظيم، عضو هيئة التدريس بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة.
وبالبحث والتدقيق ظهر لنا اسم الدكتورة إيمان عبد العظيم في رسالتها المقدمة لنيل درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية عام 2016 عن موضوع شائك يؤرق عموم المصريين والمهتمين بالهوية المصرية مقابل انحرافات فكر المركزية الأفريقية (الافروسنتريك) ومحاولاتهم الكثيرة لتثبيت فكرة ان الحضارة المصرية القديمة إفريقية سوداء، بدأت هذه الفكرة مع أحد المؤلفين السنغال شيخ انتا ديوب والذي بدأ فكرة إدعاء ان اصل الحضارةالمصرية القديمة زنوج، ففي عام 1954 حاول ديوب نيل درجة الدكتوراة عن نفس الاطروحة التي اقترحها وهى اصل الحضارة الفرعونية الافارقة الزنوج، ولم يجد ديوب وقتها من يناقش فكرته التي طرحها، وحاول الالتفات على الموضوع بنشر الفكرة في إحدى المجلات المهتمة بالشأن الإفريقي.
ناقشت عبد العظيم في عام 2016 فكرة رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول علي درجة الماجستير في الدراسات الإفريقية بعنوان “الفرعونية” في الفكر السياسي للشيخ أنت چوب: دراسة في الهوية الإفريقية لمصر” وعرضت الباحثة في الرسالة أولا العوامل المؤثرة في فكر العالم على حسب قول الباحثة ” انت جوب” كما أطلقت عليه “فرعون المعرفة”.
وتناولت الرسالة في جزء منها فكرة الفرعونية في الفكر السياسي للشيخ أنت چوب، و ذكرت الباحثة انها استعانت بأداة تحليل المضمون لتفسير استخدام الشيخ أنت چوب للفرعونية كمرجعية لإفريقيا من خلال عدة أدلة متنوعة حاول من خلالها إثبات أن حضارة مصر الفرعونية إفريقية زنجية، أو علي الأقل كان للزنوج الدور البارز في تكوينها وتطويرها، ومن ثم تشكل الفرعونية الراية والإطار المرجعي والمصدر الحضاري والثقافي لإفريقيا وهي نقطة البداية لدراسة التاريخ الإفريقي.
وذكرت الباحثة في الرسالة أن أطروحة انت جوب حول الهوية الإفريقية لمصر قوبلت بالرفض من كثير من الباحثين الغربيين والمصريين وحتى الأفارقة أنفسهم رغم ما قدمه جوب من أدلة مختلفة يمكن أن توصف بالعلمية أو غلب على معظمها صفة العلم.
وقد مثلت هذه النقطة إشكالية أساسية في هذه الدراسة، وسعت للبحث في الأسباب التي أدت لذاك الرفض، وقد تبين من خلال عملية
البحث أن رفض أطروحة الشيخ أنت چوب على المستوى الغربي لم يكن لعيب في الفكرة أو لقصور في أدلتها، وانما أرتبط الأمر بفكرة المركزية الأوروبية Eurocentrisim ، فقبول مثل هذه الأفكار قد يغير ميزان القوى الثقافية المتمثل في سيطرة وتغليب الهيمنة الفكرية للنموذج الغربي، فضلا عن ظهور إتجاهات جديدة في حالة علم الآثار وعلم الأنثروبولوحيا وقتها حالت دون قبول أفكار الشيخ أنت چوب، في حين أن الرفض المصري لأطروحة الشيخ أنت چوب كان نابعا من رفض فكرة الإنتساب للزنوج الأفارقة في حد ذاتها، فضلا عن غلبة أو سيطرة العروبة على العقل المصري، و يعد التكوين الفكري لبعض المثقفين الأفارقة الدافع وراء رفضهم الأطروحة، فضلا عن عدم قدرتهم علي التخلص فكريا ونفسيا من الأفكار المسبقة التي روج لها الغرب بشأن العقلية الإفريقية التقليدية السابقة، وهو ما جعل المثقفون الأفارقة أنفسهم غير قادرين على تقبل أو عدم التجاسر بالاعتراف بمثل هذه الأفكار.
و قالت الباحثة في رسالتها ” يعبر رفض المصريين لفكرة الفرعونية عن عدم إدراكهم الهوية الإفريقية لمصر، وقد عنيت هذه الدراسة في جزء منها بتوضيح دور الفرعونية في إعادة تشكيل الهوية الإفريقية لمصر.
وانتهت هذه الدراسة بعرض مسألة في غاية الأهمية ترتبط بأن رفع الفرعونية كراية، قد يعزز من فرص التعاون بين مصر وباقى دول القارة
الإفريقية، فإلي أى مدى الاشترك في التاريخ، يمكن أن يعزز فرص التعاون بين الدول الإفريقية، و يمكن استخدام مقولات النظرية البنائية الاجتماعية في العلاقات الدولية كإطار تحليلي في هذه المسألة.
وخلصت الدراسة في هذه النقطة إلي نتيجة مفادها أنه ليس من السهل إدخال تعديلات علي الهوية الحالية لمصر المتجهة صوب العالم العربي، لان الواقع المجتمعي غير مدرك لهويته الإفريقية بشكل واضح.
ولابد من ظهور حدث قو ي أو متغيرات جديدة وقوية تستدعي بروز الهوية الإفريقية جنبا إلى جنب مع هويات أخرى، وهنا يأتى أهمية الدور المساعد الذى يمكن أن تلعبه الفرعونية في إعادة تشكيل الهوية الإفريقية لمصر،
الباحثة تروج لأفكار شيخ انتا ديوب او أنت جوب كما أطلقت عليه في رسالتها، ومن المعروف عالميا ما يحاول الافروسنتريك الترويج له باستخدام مختلف الوسائل مثل عقد مؤتمرات لترويج افكارهم ونشر صور فرعونيه شخصياتها ملونة باللون الأسود خلافا للواقع الذي نراه في كل المتاحف والمعابد الفرغونية، وكذلك استخدام السوشيال ميديا لانتشار فكر المركزية الإفريقية أو الأفروسنتريك علاوة على انشائهم قناة تليفزيونية تحمل اسم “Kemet Tv” وتهدق القناة الى نشر افكارهم أيضا.
وذكرت العديد من التحديات الأخرى التي خلفها الفكر الغربي منها التحدى الثقافي الذى يتمثل في السعى دائما لانكار المكون أو الطبيعة الزنجية للحضارة المصرية، وذلك حتى تستخدم هذه الحقائق لتجريم ممارساته الاستعمارية والعنصرية ضد عنصر كان الأساس والأقدم والأعرق في تاريخ البشرية.
و يفسر هذا أيضا إنكار الآثريين البيض لهذه الحقيقة بدافع محو فكرة مصر الزنجية، و أنهم كانوا يبذلون جهدا غير مثمر للعثور على أدلة لأصل إسهام البيض في الحضارة المصرية، وهذا ما يفسر وجود عدم اتساق وتناقضات في تفسيرات سمات وتطورات وأحداث التاريخ المصر ي القديم.
أفكار انت جوب كما ذكرت الباحثة معترف بها عالمي في اليونسكو كمادة معتمدة، لكنها حتى الآن لا يتم تداوله، ولم تأخذ حظها من الانتشار كما ينبغى، فما زالت الدوائر الأكاديمية تتناول الموضوع بنوع من الغموض المتعمد.
واختتمت الرسالة بالقول ان هذه الأفكار قد تفتح آفاق جديدة لدراسة التاريخ المصر ي- الإفريقي.
و تنتهــي الدراســة بعــرض تســاؤل مهــم مفــاده “إلــى أى مــدى تصــلح الفرعونيــة للتعبيــر عــن الهويــة الإفريقية لمصر؟”، بمعنى آخر هل من الممكن صياغة أساس للهوية الإفريقية لمصر مستوحى من الحضارة الفرعونية لمواجهة التحديات في العلاقات المصرية الإفريقية؛ الا ان المدركات السلبية المتبادلة تستند إلى تشويهات قائمة في الأصل نفسه ويحتج بها؟، لا سيما في ظل وجود بعض المؤشـرات التـي تعبـر عـن مثل هذة المدركات السلبية لدي الأفارقة تجاة الدول العربية بما فيها مصر.
وبعد ترويج الباحثة لفكر انتا ديوب صاحب أساس فكرة الافروسنتريك منحتها مؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام جائزة ليس عن هذا البحث ولكن عن رسالتها للدكتوراة في موضوع اخر، ولكن المثير للدهشة منح جامعة القاهرة أعرق جامعات مصر والشرق الأوسط إجازة لمثل هذه الموضوعات التي تروح لأفكار ضد الهوية المصرية بل تحاول نزع الهوية المصرية عن الآثار المصرية ونسبها للأفارقة، وكذلك مؤسسة تعني بالهوية المصرية تمنح جائزة للترويج لمثل هذه الأفكار المرفوضة أثريا بشهادة خبراء الآثار في العالم.