
إعداد: رحمه حمدى
كم مرة وجدت نفسك تدور في حلقة مفرغة، تحاول حل مشكلة ما ولكن النتائج لا تُرضيك؟ قد تكرر المحاولة تلو الأخرى، مستخدما طرقًا مختلفة، لكن المشكلة تعود من جديد أو تتفاقم.
السر يكمن في أننا غالبًا ما نسرع نحو “الحل” قبل أن نفهم جيدًا طبيعة “المشكلة” نفسها. تشخيص المشكلة بدقة هو فن بحد ذاته، وهو الخطوة الأهم التي تغفل عنها الكثيرات. إنه بمثابة الذهاب إلى الطبيب: إذا كان التشخيص خاطئًا، فالدواء لن يجدي نفعًا، بل قد يسبب أضرارًا أكبر.
ما هو تشخيص المشكلة؟
تشخيص المشكلة هو القدرة على التعرف على جذور الصعوبة أو الأزمة، وفهم العوامل التي أدت إلى ظهورها، وليس الاكتفاء بالمظاهر الظاهرة فقط. وليس مجرد التعامل مع الأعراض السطحية الظاهرة. إنه الإجابة على سؤال: “ما الذي يحدث حقًّا؟” قبل الانتقال إلى سؤال: “كيف نصلحه؟”.
مثال: في مدرسة، قد يشتكي المعلم من انخفاض أداء الطلاب. إذا اكتفى بحل سطحي مثل زيادة الواجبات، سيظل الأداء ضعيفًا. لكن التشخيص الجيد قد يكشف أن السبب هو أسلوب التدريس أو ضعف التحفيز أو مشاكل شخصية للطلاب.
لماذا نتجاهل التشخيص؟
1. الاندفاع نحو الحل: رغبتنا الفطرية في إنهاء الإزعاج والوصول إلى حالة الاستقرار بسرعة.
2. الاعتماد على الحدس فقط: الثقة المفرطة في الأحكام الأولية دون تحليل منطقي.
3. الخوف من العمق: قد يؤدي التشخيص الدقيق إلى كشف مشاكل أعمق وأكثر تعقيدًا نخشى مواجهتها.
خطوات عملية تساعدك لإتقان فن التشخيص:
1. اسأل”لماذا” خمس مرات (تقنية الـ 5 Whys):
هذه التقنية البسيطة والفعالة تساعدك على الحفر تحت سطح المشكلة للوصول إلى الجذر.
· المثال (مشكلة شخصية): ابني لا يذاكر.
· لماذا؟ لأنه يشعر أن المادة صعبة.
· لماذا؟ لأنه لا يفهم أساسيات الفصل الأول.
· لماذا؟ لأنه كان مريضًا وغاب عن تلك الحصص.
· لماذا؟ لأنه لم يعوض ما فاته بشكل كافٍ.
· لماذا؟ لأنني أنا والمعلم لم ننتبه إلى هذه الفجوة مبكرًا.
· الحل الحقيقي: ليس توبيخ الابن، بل ترتيب جلسات لتعويض الأساسيات المفقودة مع المعلم أو مدرس خاص.
· المثال (مشكلة عمل): المبيعات في المتجر منخفضة.
· لماذا؟ لأن عدد الزبائن قليل.
· لماذا؟ لأن الحملة الإعلانية الأخيرة لم تنجح.
· لماذا؟ لأننا ركزنا على وسائل تواصل اجتماعي لا يستخدمها جمهورنا المستهدف.
· لماذا؟ لأننا لم نقم بدراسة سوق دقيقة قبل launching الحملة.
· لماذا؟ لأننا كنا في عجلة من أمرنا.
· الحل الحقيقي: ليس زيادة ميزانية الإعلان فحسب، بل إجراء دراسة للسوق وتحديد القنوات المناسبة للتواصل مع العملاء المحتملين.
2. حدد المشكلة بدقة:
استخدم كلمات محددة بدلًا من التعميم.حوّل المشكلة من حالة غامضة إلى وصف دقيق.
· مشكلة عامة: “علاقتي بزوجي سيئة.”
· مشكلة محددة بعد التشخيص: “نحن نتواصل بشكل سلبي عند مناقشة المشاكل المالية، مما يؤدي إلى خلافات حادة مرتين أسبوعيًا.”
· الفرق واضح: التشخيص الدقيق يوجهك مباشرة إلى حلول عملية مثل “تعلم مهارات التواصل الفعال” أو “إدارة الحوار حول المال”، بدلاً من الشعور العام بالإحباط.
3. افصل بين الشخص والمشكلة:
ركز على السلوك أو الموقف وليس على الشخص نفسه. هذا يقلل من الدفاعية ويجعل التشخيص موضوعيًا.
· تركيز خاطئ (على الشخص): “أنت إنسان غير منظم.”
· تشخيص صحيح (للمشكلة): “ملاحظ أن المواعيد النهائية لتسليم التقارير تتأخر بسبب صعوبة تتبع الملفات في النظام الحالي.”
· النتيجة: في الحالة الأولى، ستشعر الطرف الآخر بالإهانة وسيدافع عن نفسه. في الثانية، ستركزان معًا على حل المشكلة، مثل تحسين نظام أرشفة الملفات.
4. ابحث عن الأنماط:
هل المشكلة متكررة؟هل تحدث في وقت معين؟ مع شخص معين؟ تتبع الأنماط يساعد في كشف السبب الرئيسي.
· المثال: “ألاحظ أنني أشعر بالإرهاق والتوتر كل يوم أربعاء مساءً.”
· التشخيص: بعد التتبع، تكتشف أن يوم الأربعاء مليء بالاجتماعات المتتالية دون وجود فترات راحة، وأنك تتخطى وجبة الغداء.
· الحل: إعادة جدولة بعض الاجتماعات وإلزامية أخذ فترات راحة.
الاستثمار في الوقت والجهد لتشخيص المشكلة ليس ترفًا،بل هو ضرورة ذكية توفر علينا وقتًا طويلاً وطاقة نفسية هائلة لاحقًا. عندما تتقن هذا الفن، ستجد أن المشاكل التي كانت تبدو جبالاً أصبحت قابلّة للحل، بل وقد تتحول إلى فرص للتطوير والنمو. في المرة القادمة التي تواجه فيها مشكلة، توقف قليلاً، واستخدم هذه الأدوات،
وتذكر: “التشخيص الدقيق هو بداية الحل الحكيم.”