نيفين أبو حمدة تكتب: حتى إذا رحل نتنياهو.. وجه إسرائيل الحقيقي يهودي يميني متطرف

شهدت “القدس” أمس ما يعرف “صهيونيًا” بيوم “توحيد القدس”، وقد شهد هذا اليوم احتفالات مسيرات أعلام اعتادها سُكان المدينة وصلوات ابتدعوها يستبيحون بها الحرم القدسي- وقد سمحت لهم بها محكمتهم العليا عام 2022م؛ بعد أن كانت محرمة عليهم وتُشكل تهديدًا للأمن القومي؛ إلا أن اجتماع ” نتنياهو” بحكومته وكلمته المباشرة التي تم بثها من نفق تحت المسجد الأقصى المبارك بمناسبة احتلالهم الجزء الشرقي من القدس عام 1967م؛ كان مشهدًا غير مسبوق تعجز الكلمات عن وصفه، إلا أنه يثير العديد من التساؤلات بشأن ما هو قادم.
اختيار “زيني” معركة يمينية الغالب فيها مستمر
على خلفية اختيار بنيامين نتنياهو للجنرال “دافيد زيني” لرئاسة الشاباك، عدنا بالذاكرة إلى معارك اختيار رئيس الأركان، ووزير الدفاع، ومجموعة التغييرات القضائية التي بدأتها الحكومة اليمينة المتطرفة وعرقلتها حرب “طوفان الأقصى” ويُستأنف النظر في بعض ملفاتها منفردة كلما تطلب الأمر. ولكن بدأت تتسرب المعلومات حول إدارة هذه التحولات والتعيينات داخل منزل “نتنياهو”، أو من داخل فيلا العائلة القيصرية كما يُطلق عليها بعض الإسرائيليين؛ حيث دعمت “سارة نتنياهو” تعيين الجنرال “دافيد زيني” وهو ضابط سابق في وحدات النخبة ويعزز موقفه صلته العالئلية بالملياردير “شمعون فليك” وهو الداعم المالي (الممول) الرئيس لعائلة نتنياهو، ولكن معارضة وزير الدفاع “يسرائيل كاتس” أفشلت التعيين.
ومن ثمّ تم الدفع به في منصب رئيس الجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، رغم التحذيرات القانونية من قِبل المحكمة العليا لنتنياهو بعدم أحقيته في تعيين “زيني” إضافة إلى التشكيك في قدراته في إدارة هذا الجهاز الأمني المُعقد كما أنه يهودي شرقي معروف بتوجهاته الدينية اليمينية المتشددة الذي نراه في تصريح شهير له يرفض فيه صفقات تبادل الرهائن لأنه يرى هذه الحرب “أبدية”.
ونعتبر أن هذا التعيين يُعد جزءًا من “استراتيجية نتنياهو” تجاه المؤسسات الإسرائيلية ويهدف من خلالها إلى صرف أنظار المواطنين عن فشله(الاستراتيجي) في الحرب على قطاع غزة وفي ملف الأسرى؛ بواسطة تأجيج الصراعات مع المحكمة العليا واختلاق الوقيعة بينها وبين التيار الديني لينعتها “نتنياهو” لاحقًا بالانحياز ضد اليهود الشرقيين و اليهود المتدينين، ومن ثمّ تعزيز روايته في حق “الدولة المؤسساتية العميقة” التي يتهمها مرارًا وتكرارًا بالتآمر ضده والرغبة في إزاحته، ولا أدل على كذب نتنياهو في هذا أكبر من تاريخ “زيني” نفسه المفصول من الجيش الإسرائيلي لمخالفته الأوامر؛ وهو الأمر الذي انتقده البروفيسور “أوري بار- جوزيف” وهو خبير استخبارات في جامعة حيفا، ووصفه بالكارثة لأنه يعتبر تفكيكًا ممنهج للمؤسسة العسكرية، لأن تعيينات الأشخاص تتم وفقًا للولاء الشخصي، وليس وفقًا للكفاءة. وبالفعل فقد نشرت القناة 14 منذ عدة أيام مذكرة سرية منسوبة لجهاز الشاباك حذرت فيها من افتقار “زيني” إلى الخبرة في التخطيط الاستراتيجي، إضافة لما أشرنا له سابقًا من رفضه أوامر عسكرية خلال خدمته (1998م-2002م) وفقًا لوثائق الجيش.ولذلك نرى أن تعيين “زيني” هو أحد الأزمات التي تقوض النظام المؤسساتي في إسرائيل ، ما قد يؤدي إلى انهيار متسارع (من الداخل) إذا استمر الحال على نفس الوتيرة وتطبيق أجندة حكومة اليمين اليهودي المتطرف.
الولايات المتحدة الأمريكية تُغلق ملف نتنياهو
وعلى الجانب الأخر نستمع إلى أصوات تعلو بقرب (التخلص) من “نتنياهو” وحكومته، ومنها الأكاديمي الإسرائيلي “عِران يشيف” رئيس برنامج الاقتصاد والأمني القومي بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي سابقًا، والذي يصف “نتنياهو” بالمطلوب للجنائية الدولية، والضعيف الذي يستجيب للابتزاز السياسي من اليمين اليهودي المتطرف، الذي يماطل الإدارة الأمريكية باستمرار ويخدعهم أحيانًا كما يُصرح المسؤولون في الإدارة الأمريكية الحالية. ويرى الكاتب أن “دونالد ترامب” على وشك أن يتخذ قرارًا بإزاحته من المشهد لأن سياساته التصعيدية تجاه إيران وتلك التي تمنع أي بديل سياسي واقعي في قطاع غزة ، تُشكل عائقا أمامه لابد من إزالته خاصة في وجود دعم متزايد في الداخل الإسرائيلي لإجراء انتخابات مبكرة ووجود بدائل سياسية إسرائيلية “أكثر نضجا وجاهزية”، وهنا ستستخدم الولايات المتحدة الأمريكية نفوذها على الأحزاب اليهودية الدينية (رغم قصر نظر قادتها) وضعف وزنها السياسي وفق تعبير الكاتب؛ لتلعب دورًا يتوافق وسياستها في المرحلة المقبلة دون أن تربط إرثها السياسي “بنتنياهو” (الخاسر)، مقترحًا أن ينتقل” نتنياهو إلى أمريكا بعد عقد صفقة ما تُغلق بموجبها ملفاته القضائية ويعتزل الحياة السياسية.
ختامًا؛
كرر نتنياهو بالأمس دعاوى “وحدة القدس”، و”الحق التاريخي” لليهود فيها، وأطلق الوعود بعدم تقسيمها وتعزيز السيادة الإسرائيلية واتخاذ قررات بتطويرها، ورأينا فخره بأن حكومته(اليمينة) عملت على تعزيز الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارات إليها، واستثمار المليارات في تهويدها. كما رأينا بالأمس مشهد العلم الإسرائيلي كبير الحجم يتوسط باحة الحرم على جانبيه الآلاف من المستوطنين وزيادة عددهم حوالي 37% عن الأعوام السابقة يهتفون “الموت للعرب” ويحملون وزرائهم اليمينيين المتطرفين على الأعناق في أزقة البلدة القديمة؛ ورأينا كيف انتُهك “الوضع القائم” للمدينة تاريخيًا وقانونيًا، حتى أصبح يوم أمس أشد حزنًا من يوم الاستيلاء عليها وقد كانوا قلة مستضعفين.
إلا أنه يُنذر بدخول الصراع العربي الإسرائيلي منعطفًا جديدًا، سيتغير فيه وجه إسرائيل الذي تحب أن يراه الجميع- الديمقراطي اليهودي ( بالمعنى القومي)، لتُصبح إسرائيل اليهودية (بالمعنى الديني)؛ وقد بدأت شواهد ذلك بتغيير بعض الأوضاع الدينية القائمة بالفعل كما رأينا بالأمس. ولن تكتف حكومة يمين متطرفة تُعبر عن أغلبية ديموجرافية متوقعة (من أبناء القطاع اليهودي المتشدد دينيًا)، لن تكتف فيه بغطاءِ سياسي لبسط نفوذها وتنفيذ أجندتها- ولكنها تُشارك فيه بأعلى مستويات المشاركة التنفيذية والتشريعية، وتسعى إلى فرض واقع جديد في المدينة وفى الحرم القدسي والمسجد الأقصى مكانيًا وزمانيًا.